8 أيار 2016.. كسر اللبنانيون حواجز الخوف والقلق والحذر، واستعادوا حقاً ديمقراطياً سلبته الطبقة السياسية منهم قسراً، في السنوات الثلاث الأخيرة، تحت طائلة التهديد والتخويف من الوضع الأمني الهش، وقابليته للانفجار عند أوّل شرارة انتخابية!!
المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية أعادت فتح الأبواب أمام الأجواء الديمقراطية، وهوائها المفعم بذرات التغيير، ليس في بيروت ومدن وقرى البقاع وحسب، بل على امتداد الوطن، الذي تحوّل أهله إلى ضحايا لطبقة سياسية فاسدة وعاجزة، صادرت حق المواطنين الطبيعي في الانتخاب وحرية الاختيار.
ورغم بعض الحوادث المتوقعة، خاصة في زحلة، يمكن القول إن الجولة الأولى للبلديات مرّت بهدوء، وبسلام لافت، رغم حماوة المنافسات الانتخابية، سواء في بيروت أم في زحلة وجوارها بقاعياً.
وفي حال إتمام بقية المراحل الانتخابية، في الجبل والجنوب والشمال، على هذا المنوال المقبول، بل الناجح، تسقط كل الحجج السابقة التي روّج لها الطاقم السياسي الحالي، لتأجيل الانتخابات النيابية مرتين متتاليتين، والتمديد للمجلس الحالي ولاية كاملة، رغم ما يعانيه من شلل وتعطيل متعمّد، أطاح بأبسط المفاهيم الديمقراطية الصحيحة.
* * *
وإلى أن يَظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود في الجولات البلدية المقبلة، لا بـدّ من وقفة أمام مجريات انتخابات بيروت، وقراءة سريعة في وقائعها وأبعادها، والتي يمكن اختصارها بالبنود التالية، على سبيل المثال لا الحصر:
1- ساهم تعدد اللوائح المتنافسة، خاصة في بيروت، في إضفاء أجواء حماسية على الحركة الانتخابية، كان من الممكن أن تبلغ ذروتها في استقطاب المزيد من المقترعين، لولا مشاعر الإحباط المتمكنة من كتلتين انتخابيتين مهمتين: الأولى في الأشرفية وأحيائها المحيطة، والثانية في عرمون وبشامون وتضم البيارتة المقيمين في تلك المناطق، والذين يشكون الإهمال والتهميش، وغياب مشاريع البنية التحتية عن مناطق سكنهم الجديد.
2- فشلت الأحزاب المسيحية مجتمعة في تذويب الجليد الفاصل بين ناخبي شرق بيروت وصناديق الاقتراع، حيث لم تتجاوز نسبة الاقتراع في معظم أقلام تلك المنطقة الخمسة بالمائة فقط ، وهي نسبة لا تعتبر فقط منخفضة، بقدر ما تُعبّر عن رفض جماعي من العائلات والناخبين للتحالف الحزبي الواسع، الذي تجاوز خصوصية الأشرفية، وألغى دور ومكانة عائلاتها العريقة في تدبير شؤون مدينتهم. ولم تنفع نداءات العماد عون ود. جعجع في تغيير هذا الواقع!
3- أدى الانقسام بين جناحي التيار العوني في الأشرفية، وما نتج عنه من احتكاكات، ساهم الإعلام المباشر في تضخيمها، إلى ظهور موجات من القلق والنفور من العملية الانتخابية لدى أهالي الأشرفية، عزّز اتجاهات العزوف والمقاطعة للعملية الانتخابية.
4- احتلت لائحة «بيروت مدينتي» حيزاً من اهتمام وتعاطف الرأي العام البيروتي، التي وجد في بعض أعضائها شخصيات واعدة، ولكن دخول بعض الأطراف الحزبية المخاصمة لتيار المستقبل، على خط دعم هذه اللائحة التي حاولت البقاء تحت المظلة الإنمائية، أدى إلى تراجع نسبة التأييد، خاصة بعد ذيوع أمر الرسائل النصية من محازبي حزب الله الداعية للتصويت لهذه اللائحة بكاملها.
5 – كشفت مرحلة الاستعدادات للانتخابات حجم الهوّة الفاصلة بين تيّار المستقبل وجمهوره الكبير، لأسباب لا مجال للخوض في تفاصيلها الآن، فجاءت لقاءات الرئيس سعد الحريري المكثفة مع الوفود البيروتية في بيت الوسط، ثم جولاته الجريئة في مختلف مناطق العاصمة، لتردم جزءاً مهماً من هذه الهوّة، التي ما زالت بحاجة لمزيد من الجهود الحثيثة والجدّية للقضاء عليها كلياً، واستعادة العلاقة التفاعلية والناشطة بين القيادة والقاعدة، والتي اهتزت في السنوات الأخيرة بسبب غياب الحريري.
6- أدت المحاولات السياسية والحزبية لاستهداف الحريري شخصياً وزعامته، إلى مفعول عكسي في أوساط المجموعات الزعلانة والحردانة من أداء «المستقبل»، حيث بادرت جماعات عديدة إلى التجاوب مع الحراك الانتخابي، معبّرة عن خيارها الاستراتيجي، بمواجهة مخططات النيل من نهج رفيق الحريري وإرثه السياسي.
* * *
نتائج الانتخابات البلدية في بيروت تشكّل مفصلاً مهماً في مسيرة العمل البلدي الواحد للعاصمة التي تختصر النسيج الوطني اللبناني بكل أطيافه، وبكل ألوانه السياسية، وذلك يتوقف على أداء المجلس البلدي الجديد، وخاصة رئيسه: أما أن تتحوّل الوعود إلى مشاريع وإنجازات تعم مختلف المناطق البيروتية، حتى تسقط دعوة التقسيميين و«الفيدراليين» إلى سلخ مناطق شرق بيروت عن غربها، وتفريخ بلديات جديدة، وإما في حال فشل المجلس الجديد في هذه المهمة الوطنية الكبيرة، يكون قد دق أول إسفين في وحدة بيروت.. بل في جسم لبنان الواحد!
فهل ينجح المجلس البلدي العتيد في إنقاذنا من سوء المصير..؟