تعاقب ستون وزير داخلية في لبنان منذ الاستقلال والى يومنا هذا، وآخرهم هو الوزير نهاد المشنوق. واحتلت هذه الوزارة مرتبة متقدمة في النظام اللبناني، ودرجة عالية من الاهتمام، بحيث كان يتم اسنادها الى شخصيات الدرجة الأولى من السياسيين والشخصيات العامة. ووصل اثنان ممن تولوا وزارة الداخلية الى منصب رئاسة الجمهورية هما الرئيس كميل شمعون، والرئيس فؤاد شهاب. غير ان وزارة الداخلية كانت أكثر التصاقاً بالشخصيات التي شغلت منصب رئاسة مجلس الوزراء ومنهم: رياض الصلح وصائب سلام وحسين العويني وعبدالله اليافي ومحي الدين النصولي وسامي الصلح ورشيد كرامي وتقي الدين الصلح ورشيد الصلح وشفيق الوزان. وشخصيتان اثنتان ممن تعاقبوا على رئاسة المجلس النيابي تولتا منصب وزارة الداخلية هما: الرئيس صبري حماده والرئيس عادل عسيران.
من الشخصيات الوازنة التي تولت وزارة الداخلية، وكانت لها أدوار تاريخية في سجل لبنان الاستقلالي، قيادات من أمثال: ريمون اده وبيار الجميل وكمال جنبلاط، وميشال المر وسليمان فرنجيه، وهم من الشخصيات التي لها جذور عميقة في الزعامة الشعبية والعمل القيادي في المجتمع اللبناني. كما تعاقبت على حمل هذه الحقيبة شخصيات لها وزنها في القانون والاقتصاد والأمن والفكر السياسي والعلمي والتربوي، ومنهم وديع نعيم ويوسف سالم وغبريال المر وجورج الهراوي وادمون كسبار وبشير الاعور وبهيج تقي الدين وصلاح سلمان والياس المر وعبدالله الراسي والياس الخازن وسامي الخطيب وبشارة مرهج ومحمد كنيعو وغيرهم…
غير أن بعض وزراء الداخلية كانت لهم نكهة خاصة في خلال تولي مسؤولياتهم في اطار هذه الوزارة الحساسة، وفي ظل الظروف الخاصة التي كانت تحيط بهم. ولم تكن هذه النكهة طيبة دائماً كما مع الوزير حسن السبع الذي عاكسته الظروف وأساءت أحياناً الى سمعته. غير أن وزراء آخرين كانوا أوفر حظاً، ومنهم الوزير مروان شربل، فهذا الرجل العسكري الصلب قدم نموذجاً في ممارسة القوة الناعمة، ونجح في أحيان كثيرة بفرض قوة القانون بقوة الاقناع، الى أن وصفه بعض المتشددين بأنه أبو ملحم زمانه! أما الوزير زياد بارود فقد كان بمثابة اكتشاف كنز وطني، وشع في المجتمع اللبناني بكاريزما طاغية لم يسبقه اليها أحد من أقرانه.
وزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق هو أولاً رجل فكر سياسي واجتماعي، أي رجل صاحب أفق، واقترن بشخصية متوازنة تعي بعمق مسؤوليتها الوطنية والرسمية. والتوازن في الشخصية يعني أنه قوي في موقع القوة، ولين في موقع اللين. وهذا ما ظهر نموذجه في تعامله مع الحراك المدني. وعندما نأت تظاهرة للحراك بنفسها عن التصادم مع القوى الأمنية، بدأت وانتهت بسلام ودون ضربة كف كما يقال، على الرغم من أن التظاهرة ضمت عشرات الألوف…
في سجل وزراء الداخلية شخصية أخرى مشرفة من آل المشنوق هو الصحافي وصاحب مزايا كثيرة أخرى، عبدالله المشنوق. وقد عينه الرئيس صائب سلام وزيراً للداخلية في حكومته، فكان عند حسن الظن لدى الجميع وترك اسمه في سجل الشرف اللبناني، وكان عوناً وسنداً للحكومة ورئيسها وللشعب اللبناني. وهذا ما يفعله اليوم قريبه الوزير نهاد المشنوق…
والمفارقة هي أن الرئيس تمام سلام كرر التجربة وعيّن اثنين من آل المشنوق في حكومته، فأصاب في واحد، وأخفق في واحد… والمفارقة هي ان عبدالله المشنوق هو والد وزير البيئة الحالي محمد المشنوق!