كانت الأنظار، ولا تزال، مشدودةً إلى موسكو لاستكشاف الطاولة، وعدد المقاعد، وطبيعة الحوار، وإذ بالقنيطرة تخطف الأضواء بعد المذبحة التي ارتكبَتها إسرائيل. يتواجد في ذلك المثلّث الاستراتيجي كلّ من إيران، وحزب الله، وإسرائيل، وأطياف من المعارضة المسلّحة، بما فيها «داعش»، و»جبهة النصرة»، فيما يتواجد في مثلّث الحوار ممثّلون عن النظام، والمعارضة، بالإضافة إلى الإحاطة الروسيّة – الدوليّة المعنيّة والمواكبة.
المسافة ما بين المثلثين بعيدة، مَن يمثّل مَن؟ وهل ينوب الحوار عمّن يتواجد في الميدان، ويُلزمه بشروطه وخياراته، أم أنّ الجميع في برج بابل؟!. وما بين المثلّثين تختلف الحسابات، يريد «الحزب – إيران» الحِرص على «محور المقاومة» وامتداداته، وإمداداته، فيما تريد إسرائيل توسيعَ سيطرتها ونفوذها في هذا المثلّث الذي تعتبره حيويّاً واستراتيجيّاً. في الجولان، القنيطرة، مزارع شبعا يحتدم الصراع على سوريا، وكيفيّة التمدّد على أرضها. في مثلّث موسكو يحتدم الصراع حول من يجلس على الكرسي، وكيف يفترض أن يكون شكلها وصلاحياتها؟!.
لقد اختلفت المعايير، ومعها الحسابات، والكلّ منهمك بالردّ على المذبحة، وكيف يكون؟ وأين يكون، ومتى؟ وكأنّ القضيّة ثأريّة، وإذ هي تفتيتيّة بامتياز، فالأرض سوريّة، والسيادة سوريّة، فيما المتنافسون المتناحرون على تقاسمها خوارج قادمون من فلسطين المحتلة، أو من بلاد فارس، أو من الجوار اللبناني، دون إغفال «الداعيشيّين» ومَن يدور في فلكِهم؟!.
وتشير إحدى القراءات الدبلوماسيّة إلى أنّ بنيامين نتنياهو يريد فكّ الطَوق الإيراني الذي يزنّره، يرى نفسَه محاصَراً إيرانيّاً، «حماس» في القطاع، حزب الله في الجنوب، والحرَس الثوري الإيراني بالتكافل والتضامن مع «الحزب» يحاولان تثبيتَ هيمنتهما المُحكمة على المزارع، وتلال القنيطرة – الجولان، وهذا إذا تحقّق يضع إسرائيل أمام خطر وجوديّ مصيريّ؟!.
ولا يمكن التقليل من حساباته الأخرى، يريد أصوات الناخبين، ويعرف أنّ التصعيد ضدّ «الحزب» ورقة رابحة. «عمود النار» في السابق أمَّنَ له الطريق لولاية ثانية في رئاسة الحكومة، ومن غير المستبعَد أن يفتعل «عمود نار» جديداً، للفوز بولاية جديدة؟!.
معركتُه مع البرنامج النووي تبدو خاسرةً، يحاول أن يستنفر الكونغرس الأميركي لفرض عقوبات جديدة، وإذ بالرئيس باراك أوباما يقف له بالمرصاد، مهدّداً الكونغرس باستخدامه حقّ النقض. سارَع إلى القنيطرة لخطفِ الأضواء، والدفع بالإيرانيين نحو الانفعال والتهوّر لخَلطِ الأوراق من جديد، إلّا أنّ هدوءَهم أغاظه.
يعرف أنّ الردّ آتٍ، ولكن ليس هو من يحدّد توقيتَه، ومكانَه، ونوعيته، وهذا ما قد يرتدّ عليه سلباً عندما يصل الناخب الإسرائيلي إلى صندوقة الاقتراع، فلا يمكن للمجتمع أن يبقى طويلاً في دوّامة القلق والاستنفار، فيما الاقتصاد يتراجع، والحركة السياحيّة أيضاً.
تحرّكَ الأميركي ومعه الاتّحاد الأوروبّي للَجمِ الموقف، وتوفير فرَص مؤاتية لحوار موسكو، إلّا أنّ في صفوف الدبلوماسيين ثمَّة مَن يتوقّع أن تعمد إسرائيل إلى دفع «داعش»، و»جبهة النصرة»، ومَن لفَّ لفَّهما، إلى استكمال ما بدأته لتوتير الوضع في ذلك المثلّث، ونقل مواقع الاهتمام الدولي إلى محاوره.
تَعتبِرُ أنّ تجاوُزَ ما حصل، والعودةَ إلى الهدوء والسكينة، ولو مرحليّاً، لا يخدم أهدافها، تريدُ أن تفجّرَ المفاوضات ما بين إيران والمجموعة (5+1). تريد أن تنسفَ المحاولات الرامية إلى رفع العقوبات. تريد أن تغيّر قواعد الاشتباك مع «الحزب» وحلفائه… وهذا لا يتحقّق عن طريق الهدوء، وضبط النفس، والتعالي عن الجِراح؟!.
في وزارة الخارجيّة «حصاد» أوّلي، مفادُه الآتي: التدخّل الأميركي – الأوروبي لا يقتصر على لجمِ التصعيد، بل يتعدّاه لفرض التوجّه، لا يريدون أن «يلعب الصغار بما هو من شأن الكبار، ولا أن يعبَث الوكيل بما يخطّط له الأصيل؟!».
الكلمة الفصل لن تُعطَى للإسرائيلي، ولا – مطلقاً– للإيراني، أو لحزب الله، أو لأيّ دخيل إقليمي على الساحة السوريّة. حتى موسكو لم تقدِم على الدعوة إلى الحوار إلّا بعد التنسيق مع واشنطن، وبروكسيل، والأمم المتحدة، وبعض العواصم العربيّة والإقليميّة المؤثّرة.
مستقبل سوريا لا يتقرّر في تل أبيب، ولا في حارة حريك، أو طهران، بل من خلال خارطة الطريق التي رُسِمت في «جنيف – 1»، و«جنيف -2»، وتُستكمَل وفق مسلسل من الحوارات والمؤتمرات.» المتخاصمون في القنيطرة، شركاء متضامنون على قتل الدّب السوري لاقتسام جلده. اللاعبون معروفون، الأدوار مكشوفة، والأهداف الظاهرة والمستترة أيضاً، فيما كلمة السِرّ عند الكبار، فالأمر لهم، وعندهم؟!».