أول ما يتبادر الى الذهن هو الراحل الرئيس فؤاد شهاب الذي كان يطلق تسمية الكتاب على الدستور اللبناني. غير أن القصد هو القراءة في كتاب آخر يحمل عنوان نهوض لبنان – نحو دولة الانماء وصدر حديثا ٢٠١٦. وبعد الاطلاع على الصفحات الأولى التمهيدية، يتبادر الى الذهن وكأن هذا الكتاب الذي إستغرق اعداده طوال سنة سابقة، قد تنبأ بولادة عهد جديد يرئسه رئيس للجمهورية يطمح الى تأسيس الدولة العصرية في لبنان، على غرار ما كان فعل الرئيس شهاب. وعندما تقرأ الأسماء على الغلاف، ومن أعدّه ومن تعاون وساهم في اعداده، يطرأ سؤال آخر محيّر على الذهن: كيف يمكن لعهد يحلم ببناء دولة عصرية، ولا يكون بين أعضاء حكومته الأولى بعض وزراء من أصحاب الاختصاص الذين وردت أسماؤهم في صنع هذه الرؤية النهضوية للبنان؟! والجواب بسيط: صوت السياسيين يعلو على صوت العلماء في هذا البلد!
***
الصفحة الأولى من الكتاب تفضح نيّة معدّيه، وبأن غايتهم هي تحديد الأسس العلمية لبناء الدولة الحديثة في لبنان، كبديل لحالة الاهتراء والتخلّف التي لحقت بالدولة والمجتمع في ظلّ نظام طائفي جاهلي، بعد ٧٤ سنة من الاستقلال! ومثل هذا الهدف السامي والطموح والوطني، هو فضيحة في نظر شريحة من طبقة سياسية تفهم الحكم والسلطة على انهما مصدر ارتزاق واثراء غير مشروع عن طريق المحاصصة، واستحلاب موارد دولة جفّ ضرعها، وتقف على مشارف الشيخوخة العاجزة والخائرة! وما تصدر هذا الكتاب قول جاء فيه: ما لم تحدث ثورة فكرية وأخلاقية في لبنان، تكون التنمية هشّة، ولن يستطيع لبنان اداء دوره لا في الداخل كعامل تماسك، ولا في الخارج كمركز حضاري عالمي. وهذا الرجل الذي قال هذا الكلام واعتبره يتقدم على الماء والكهرباء والمواصلات… لم يكن سوى الأب لويس جوزف لوبريه، وهو الرجل الذي استعان به مع فريقه، الرئيس شهاب لاعداد أسس دولة حديثة في لبنان. وهذا الخيار لمعدّي الكتاب يعكس نيّتهم استكمال المهمة في العهد الجديد، على أمل أن يكون أرضا خصبة لجهودهم!
***
أعدّ هذا الكتاب الضخم ٦٥٦ صفحة روجيه نسناس رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالتعاون ومساهمة ثلاثة وعشرين من العلماء والخبراء اللبنانيين في مجالات اختصاصهم، ممن تستعين بهم الدول لاثراء ونهوض شعوبها. وبدا وكأن روجيه نسناس كان يقرأ في مستقبل الأيام الآتية في مقدمة الكتاب عندما قال ان هذه الرؤية تبدأ ببناء الثقة، ثقة المواطن بالدولة، وثقة المجتمع بالغد. ومن العلامات التي تدعو الى التفاؤل، ان حكومة الرئيس سعد الحريري وهي الأولى في العهد الجديد برئاسة العماد ميشال عون، اختارت هذا العنوان دون سواه، ليكون بوصلة عملها في الزمن الآتي. وهذا العنوان هو: حكومة استعادة الثقة!.. ولكن… ولكن…
***
… ولكن استعادة الثقة في السياسة شيء، واستعادة الثقة في المفهوم العلمي الرصين والجاد شيء آخر! وما يتفاءل به اللبنانيون في العهد الجديد هو الارتقاء بالسياسة الى المفهوم العلمي… والى الغد.