شكّلَ الأوّل من آب استفتاءً واسعاً للمؤسّسة العسكرية، وأثبَت الجيش في الداخل أنّه الحاضنة الأمنية والشعبية الوحيدة التي لم تمرّ في زواريب السياسيين ولم تُساوم على طائفة دون أخرى.
في المراقبة الدولية، تأكّد أنّه وفي ظلّ الفراغ الرئاسي وشِبه تعطّل المؤسسات في لبنان والوضع الأمني المتأزّم بفعل الإرهاب، استطاع الجيش التعويض والتصدّي، فنالَ تلك الثقة، وهي تُرجمت على أكثر من صعيد.
في الأول من آب، عيد الجيش، سُجّلت حملة إعلامية موفّقة في الشكل والمضمون عن هذا الجندي المنتمي إلى لبنان أوّلاً قبل طائفته، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي المناسبة على نحوٍ جامِع بعيداً عن كلّ الخلافات السياسية.
كما سجّلت إحاطة تامة لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي اختصَر في «أمر اليوم» لبنان النموذج المثالي (مع غضّ النظر عن بعض الأصوات التي تعاكس الحقيقة لمآرب شخصيّة تتعلّق بالموقع الرئاسي ولو أنّها جاءت خافتة هذه المرّة). إنجازات الجيش كثيرة، ولعلّ أهمّها كان محاربة الإرهاب، إنْ كان في المناطق اللبنانية أو على الحدود مع سوريا، وهو ما أعطاه زخماً شعبياً كونه الحامي الأساسي.
فهو أمّنَ السِلم بدرجة كبيرة وأحبَط ما كان الإرهاب يَرمي إليه من تقاتل طائفي، فتعاطى معه على أساس إرهاب من دون هوية ويستهدف كلّ لبناني، وعلى الجيش التصدّي له ومنع انتشاره وحماية أيّ فرد.
من هنا كانت وحدة اللبنانيين وقناعتهم بأنّ المؤسسة العسكرية تستطيع تأمين أيّ استحقاق أيضاً تحت عنوان الديموقراطية، وهذا ما حصل في الانتخابات البلدية والاختيارية من حيث إنجاحها وتأمين الأمن والحماية ومنع أيّ إشكالات محلية.
من هنا، شكّل الجيش ضمانةً للبنان، وحظيَ بالتالي باهتمام خارجي تجلّى بدعمه بالعتاد والثناء على دوره وسط كلّ ما تشهده المنطقة من حريق. فإجراءاته طوَّقت خطة الإرهابيين وحمَت لبنان قدر المستطاع. فجاءت الثقة عبر دعم الأميركيين له من دون مقابل بالأسلحة اللازمة. فغداً تصلُ باخرة فيها المدافع والذخائر من الولايات المتحدة تساعد الجيشَ على استكمال محاربته للإرهاب.
أمّا الأهم فيبقى أنّ هذا الدعم غيرُ مشروط. وهذا يَظهر جليّاً على سلوك الجيش في السابق وفي الحاضر ومواقف قائده الذي يحافظ على كلّ لبناني وحزبي وسياسي، لأنّ دورَه لا يتعدّى مصلحة الوطن… أمّا في «أمر اليوم»، فكان كلام العماد قهوجي اختصاراً لنموذج الوطن السياسي والأمني المستقر. في السياسة:
– أسفَ لشغور موقع الرئاسة الأولى وما لهذا الموقع من أهمّية معنوية ودور فاعل على مستوى توزيع مهام المؤسسات.
– لبنان صيغة العيش المشترك. فالجيش في مركز القرار نقطة استقبال وتلاقٍ لجميع السياسيين والأحزاب من باب الحاضنة اللبنانية بعيداً عن أيّ تمييز أو انحياز. أمّا على الأرض فتنوُّع طائفي ومذهبي عكس أيضاً أداءً جامعاً، وهذا ما أثبتته كل الاحداث في المناطق، ما أدّى الى الحفاظ على سيادة الأرض والوطن ومكانته الاقليمية والدولية.
– تأكيد أهمية التمسّك بـ«اتفاق الطائف» الذي أجمَع عليه اللبنانيون والذي أرسَى تلك الركائز، أي صيغة العيش المشترك، كون البديل غير موجود وكلّ ما يجري حولنا لا يساعد لبنان على التخلّي عن الاتفاق.
– إلتزام القرار 1701 ومندرجاته وتأكيد مستوى جهوزية الجيش لمنع خرق القرار، وهذا ما ثبُت فعلاً من خلال ملاحقة بعض العابثين بالأمن الذين أطلقوا مرّات عدة صواريخ بشكل فردي تهدف الى توتير الحدود.
– التعاطي والتواصل مع القوات الدولية من ضمن التنسيق التامّ وتوزيع الصلاحيات وأولوية الحفاظ على راحة سكّان المناطق الحدودية.
– التأكيد أنّ إسرائيل عدوّ لبنان ومطامعها كبيرة، وأنّ عقيدة الجيش تتركّز على مواجهتها عند أيّ خرق وعند أيّ مطامع لها، إنْ كانت في الأرض أو النفط أو الثروات.
– أمّا للإرهاب فقرار تامّ لا جدلَ حوله ولا مراعاة فيه، وهذا يتجسَّد على الارض والحدود والعمليات الاستخبارية واستئصال الخلايا التخريبية وإيجاد الخلايا النائمة، ما أدّى الى تحصين لبنان بنسبة كبيرة، ما حمَى الاقتصاد والمؤسسات وبعض الاستثمارات.
– ومع ضرورة تواصل الجهد الامني، أرسى العماد قهوجي معادلةً مهمّة حول استراتيجية شاملة تأخذ في الاعتبار تنسيقَ الجهود الداخلية والخارجية لدَحرِ الإرهاب مع لحظ ضرورة نشرِ الثقافة والوعي بين سائر الشعوب.
ومع المعنويات التي يتمتّع بها الجنود والضبّاط في الجيش نتيجة السياسة الحكيمة المتّبعة والإنجازات المهمة جداً، يُعطي الدعم العسكري بالعتاد من الخارج زخماً لهم، إذ تتوافر تلك المعنويات إلى جانب العقيدة والثقة والسلاح… الأوّل من آب صفحة ملفِتة في تاريخ المؤسسة العسكرية.