أعطت حملتان من التفجيرات الانتحارية في بلدة القاع اللبنانية، نتائج معاكسة تماماً للأهداف التي أراد الانتحاريون ومَن يقف وراءهم تحقيقها! وبدلاً من اشاعة الذعر والخراب، عمّت البلدة والمنطقة ولبنان ككل، أجواء من العنفوان والتضامن الوطني والتحدي لكل هذه الممارسات الوحشية والاجرامية. وتوهم أسياد هؤلاء الانتحاريين أنهم سينفذون مهمة مطاردة للأهالي من المدنيين الأبرياء وقتلهم، فإذا بالأهالي يطاردون القتلة ويفاجئونهم، مما جعل بعض هؤلاء يفجر نفسه وهو يفر! وبعد الموجة الأولى من التفجيرات طُرحت تساؤلات: هل كان المجرمون يقصدون القاع حصراً؟ أم أنهم كانوا في طريق العبور الى غيرها؟.. الموجة الثانية من التفجيرات المسائية حسمت الجواب، وان القاع بذاتها هي المقصودة بهذا الفعل الوحشي! وكشفت بعض معالم الوجه الآخر للارهاب التكفيري اليائس!
***
عملية القاع تحث على القراءة في الوجه الآخر لهذا الارهاب التكفيري… والملاحظة الأولى هي: ما الذي يدفع بقيادة الارهابيين الى كب هذا العدد الكبير من الانتحاريين في يوم واحد وعملية واحدة، ثم يفشلون في تحقيق أهدافهم، بحيث إن أعداد الانتحاريين وهم ثمانية، تزيد عن أعداد الضحايا من الشهداء وهم خمسة؟! إن وفرة أعداد الانتحاريين تدل، من جهة، على اتساع بيئة الجهل والتخلف والفقر المدقع التي تساعد الدعاة التكفيريين على تجنيد البسطاء السذج الراغبين بالانتقال الى النعيم المطلق في خطوة واحدة وعملية واحدة، لا تتطلب أكثر من مجهود كبسة زر! كما تدل، من جهة ثانية، على أن القيادات التكفيرية مأزومة من داخلها وخارجها، مما يدفع بها الى تخريج الانتحاريين على عجل، ودون أن يتلقوا ما يكفي من التدريب، كما كان يحدث في البدايات!
***
اذا كان السياسيون في لبنان لا يريدون أخذ العبرة والموعظة من وحشية الارهاب التكفيري، فالوقت مناسب للقراءة في التحولات الاقليمية والدولية! ودليلها الأول، ان قيادة اسلامية متغطرسة أرادت أن تأخذ الدنيا غلابا، ويمثلها السلطان التركي الجديد رجب طيب اردوغان، تعود وتجري نقداً ذاتياً وجردة حساب، وتعود الى قواعدها الأولى – ولو عبر طريق التفافية طويلة – للوصول الى صفر مشاكل من جديد… وتعتذر لروسيا، ثم تتقبل اعتذاراً من اسرائيل يخفي تنازلاتها الفاحشة لها! ودليلها الثاني، الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. وبصرف النظر على تبعات هذا الحدث، فإن الدول في النهاية تتخذ القرار الذي ترى أنه يصب في مصلحتها الوطنية العليا، أياً كانت الأصداء والتبعات!..
***
في ظل هذه التطورات والتحولات اقليمياً ودولياً، هل من الصعب على بعض الزعامات اللبنانية ان تتعلم ان الديموقراطية لا تكون ب شتم الآخر، وانما بتقديم البرامج الوطنية الكبرى، كذلك الاستفتاء التاريخي للشعب الانكليزي العريق في ديموقراطيته! وهل من الصعب أن تتعلم زعاماتنا وقياداتنا تبادل الاعتذارات في ما بينها، وهي أسهل بكثير من اعتذارات القيادات المتغطرسة الى خصوم وأعداء كما فعل اردوغان؟!