أحيت المناقشات حول خطة انتاج الطاقة الكهربائية بوجهيها الموقت والدائم املاً للمرة الأولى في إمكان رسم خريطة طريق الى توفير أبسط حقوق اللبنانيين بالطاقة التي يتمتع بها سكان الغابات في العالم. وتزامناً مع المناقشات التي شهدتها «خماسية» اللجنة الوزارية، كانت لحزب الكتائب قراءة علمية في شكل الخطة ومضمونها من خارج حسابات التسوية السياسية والسلطة. فما الذي قالت به وعناوينها؟
من بين الخبراء المطلعين على كثير من خفايا الأزمة التي تعصف بقطاع انتاج الطاقة الكهربائية، مَن يصرّ على ان العقلية التي تحكمت بهذا القطاع طوال الفترة الممتدة من 1994 الى اليوم ما زالت هي هي. بدليل الفشل الذي منيت به كل الخطط التي وضعت منذ ذلك التاريخ الى اليوم لجهة توفير الطاقة والدلائل الى هذه المعادلة لا تُحصى ولا تعد.
فعلى رغم التطوّر الذي عاشه القطاع على المستوى العالمي منذ ذلك التاريخ ما زال اللبنانيون يعانون من سوء التغذية بالطاقة بعد مرور 29 عاماً على انتهاء الحرب وإزالة خطوط التماس وفتح كل المعابر التي فصلت بين المناطق. وهو رقم قياسي لا مثيل له في كتاب «غينيس» بمختلف التجارب الدولية التي عاشتها دول شهدت حروباً شبيهة بتلك التي عاشها لبنان.
على هذه الخلفيات، وبعيداً من تأثيرات مختلف الظروف السلبية التي اساءت الى هذا القطاع، ثمّة مَن يربط بين حجم الأزمة التي يعانيها اللبنانيون ومجالات أخرى لم يتناولها كثيرون منهم وليس اخطرها واكثرها ضرراً الإصرار على إستخدام «الفيول أويل» بدلاً من الغاز المسال وحجم الإحتكار في هذا القطاع ببعض المستفيدين على رغم اعتماد مبدأ الإستيراد من دولة الى دولة، والتي يمكن أن يضاف اليها حجمُ الغرامات السنوية التي تدفع دورياً نتيجة سوء التنسيق وعدم احترام المهل الفاصلة بين طلب فتح الإعتمادات المصرفية وتاريخ إنجازها ومواعيد وصول الناقلات الى مواقع تفريغ حمولتها. وكل ذلك يساوي النتائج السلبية التي نتجت من الإصرار في استخدام البواخر المنتجة للطاقة بدلاً من المولدات الكبرى التي يمكن أن تجهز على اليابسة وتستخدم لفترات مستدامة الى جانب معامل الإنتاج، وتحديداً في المراحل التي يمكن أن تخضع بعض توربيناتها للصيانة او لمواجهة سلبيات ايّ عطل طارئ.
وبمعزل عن هذه الحقائق التي لا تخضع لأيِّ نقاش علمي، ولا يمكن تجاهلها فقد ارست الخطة المتجدّدة لإنتاج الطاقة الكهربائية جدلاً لم تشهده البلاد من قبل. فعلى رغم من عدم وجود ايّ جديد في ما هو مطروح سوى طرحها على خلفية المناكفات المستمرة منذ العام 2012 الى اليوم مروراً بخطة العام 2017 وما استهلكته من مليارات الدولارات، فقد أنجز فريق متخصص في حزب الكتائب قراءة شاملة للخطة من وجهتيها الإيجابية كما السلبية بعد توصيف دقيق لها.
واعتمدت القراءة على مراجعة لخطة وضعت في ٢٩١ صفحة، من أصلها ٣٠ صفحة لتفاصيلها والبقية ملاحق من بينها ما سمّي خطة الوزير جبران باسيل عام ٢٠١٠ وخطة الوزير سيزار أبي خليل عام ٢٠١٧ والتي شهدت عليهما الوزيرة الحالية ندى بستاني من موقعها الإستشاري طوال تلك المرحلة.
وعليه، ومن دون الدخول في كثير من التفاصيل فقد انتهت القراءة الكتائبية الى التنويه بما هو جديد ومختلف في الخطة عن سابقاتها، فتوقفت عند الآتي:
1 – الإقتناع بعقود الشراكة مع القطاع الخاص لشراء الكهرباء لفترة تمتد الى 20 عاماً وفق سعر محدد من دون تدخل الدولة في التمويل والبناء والتشغيل.
2 – زيادة القدرة المقترحة للمعامل الطارئة الآنية من ٨٥٠ ميغاوات إلى ١٤٥٠ ميغاوات لتأمين الكهرباء ٢٤ ساعة في مطلع السنة المقبلة.
3 – إدخال محطات تغويز الغاز المسال عام ٢٠٢١ (الوزارة في صدد تقييم العروض الفنية حالياً).
4 – خفض الهدر الفني وغير الفني في ٢٠٢١ من ٣٤ ٪ إلى ١٢ % لزيادة مداخيل مؤسسة الكهرباء.
5 – تكليف الجيش مؤازرة قوى الأمن في ازالة التعديات وتمديد «وصلة» المنصورية.
6 – الفوترة الشهرية من قبل مقدمي الخدمات.
ولحظت القراءة الملاحظات السلبية كالآتي:
1 – لم تنص الخطة على تعيين هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء ومجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان عملاً بالقانونين ٤٦٢/ ٢٠٠٢ و ١٨١/٢٠١١ وتعهدات الحكومة السابقة لمؤتمر «سيدر واحد».
2 – نصت الخطة على الشراكة مع القطاع الخاص من دون أن تلحظ تطبيق قانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام الذي يرعى مناقصات كهذه، ومن دون أن تلحظ هوية الطرف الذي سيعدّ دفاتر الشروط ويدير المناقصات. وفي هذا الإطار، من المفروض أن يلحظ دفتر الشروط أن تكون المناقصات دولية بمعنى حصر العارضين بالشركات الدولية الكبرى مباشرة (من دون إشراك شركات لبنانية في اتفاقات شراكة مع الشركات العالمية الكبرى) للحؤول دون السمسرات ورفع الكلفة على الدولة.
3 – فصل أسعار الحل الموقت عن أسعار الحل الطويل الأمد لتسهل مقارنة العروض المالية ومقارنتها بالأسعار العالمية الرائجة.
4 – يجدر عدم السماح باستمرار التجديد لمقدمي الخدمات بحجة تطوير الفوترة (لتصبح شهرية) والجباية، إذ إنّ التلزيم الأساسي لم يوافق عليه مجلس شورى الدولة والتجديد الإضافي لأربع سنوات أتى مخالفاً للعقد، كما أنّ التجربة لم تكن مربحة لكهرباء لبنان، وهم عجزوا حتى اليوم في تطوير الفوترة، فلماذا إعطاؤهم فرصة اضافية.
5 – في خطة ٢٠١٧، حصر الحل الموقت بالبواخر بحجة عدم وجود أراض. ماذا تبدّل اليوم لكي تصبح المعامل الطارئة على البرّ ممكنة؟
6 – احترام حقوق وصحة المواطنين في المنصورية وعين نجم وعين سعادة أولوية وواجب. أما التحجّج بكلفة التمديد تحت الأرض والتهويل باستخدام القوة لإمرار وصلة التوتر العالي فهو أمر مرفوض وغير منطقي.