تدرس القوى السياسية، بعناية، ما انتهت اليه الانتخابات البلدية والاختيارية بهدف استخلاص النتائج والعبر وتحديد مكامن الضعف والقوة، والأهم، اجراء قراءة متأنية لمزاج الناس واعتراضاتهم التي تجلت بوضوح ترشيحا واقتراعا وحتى احجاما عن المشاركة.
وتتقاطع معظم القوى على القناعة أنه لم يتمخض عن هذه الانتخابات خسارة كاملة أو فوز شامل لأي فريق، فهناك من ربح في منطقة وخسر في ثانية وتحجّم في اخرى، مع الاقرار ان صدمة طرابلس هي الأصعب في كل النتائج مع وجود مبالغة في توصيف النتيجة، لأنه لا بد من النظر في الاخطاء التي ارتكبت والتي تسببت بردة الفعل لدى الناخبين وبنسبة المقترعين. ومن بين هذه الأخطاء يشير البعض الى مغادرة الرئيس سعد الحريري الى الكويت بينما كان يفترض ان يدير المعركة مباشرة.
ويلفت البعض النظر الى فائض القوة الذي عاشته لائحة الائتلاف في طرابلس لجهة حتمية الربح ما ادى الى قلة الاقبال على الصناديق، كما ان الاعلام عزز من وضع ريفي مع انكفاء الآخرين. مع الإقرار ان الماكينة الأكثر نشاطا على الارض كانت تلك التابعة للرئيس نجيب ميقاتي.
جاءت نتائج الانتخابات البلدية لتسجل تراجعاً كبيراً للحريري في كل المناطق، من بيروت الى صيدا الى البقاع الغربي الى طرابلس وعكار والضنية.
اما مسيحيا فان تفاهم «القوات اللبنانية» و «التيار الوطني الحر» تشظّى، ومن المفترض العمل على اعادة تقييم داخل التيار الذي لم يكن على قلب واحد، وجرت تصفية حسابات بلدية مع الوزير جبران باسيل على خلفية الانتخابات الداخلية في التيار، اضف الى ذلك لم يكن هناك معيار واحد للتحالفات، ففي مكان تحالف «التيار» و «القوات» مع العائلات، وفي مكان تحالفا مع «الكتائب»، وفي آخر ابتعدا عن بعضهما البعض. وما يقال عن «التيار» يقال عن «القوات» اذ برز خلل ظهر في تمرد القاعدة.
التحالف المسيحي الذي كان متوقعا له ان يشكل تسونامي، لم يكن كذلك. في المقابل، حضر «الكتائب» في بعض المناطق، وكذلك الأرمن، أما «الاحرار» فقد أضيفت نكسة الانتخابات الى نكساتهم، والى حد ما حافظ النائب ميشال المر على حضوره..
لذلك فإن الطرفين الأكثر حاجة الى اعادة تقييم هما «القوات» و «التيار»، اولا لتحالفهما الثنائي وثانيا افراديا، ويكفي النظر الى بشري واقتراع 38 في المئة ضد لائحة زعيم «القوات» سمير جعجع.. ويبدو ان التماسك الوحيد للتحالف المسيحي كان في زحلة وبيروت، اما في بقية المناطق فقد كانت هناك ارتجاجات تحتاج الى تواضع البحث بموضوعية.
وحتى الثنائية الشيعية كان عندها بعض الارتجاجات، والثنائية الدرزية لم تتوحد انما بالعكس فقد حارب قطباها بعضهما البعض والامور عادت في الاداء الى نقطة الصفر، والعائلات اثبتت انها الاقوى. لذلك اذا كان من ضحية سياسية مباشرة للانتخابات البلدية فهي هي قانون النسبية، ولم يعد احد متحمس للسير به باستثناء المجتمع المدني والاحزاب غير الممثلة في السلطة و «الحزب الشيوعي» الذي حقق حضورا لا سيما في الشمال وتحديدا عكار.
في الخلاصة، اعطت الانتخابات البلدية مناخا لكيفية توزيع القوى، ولكنها غير قادرة على تحديد اتجاه حاسم لمصير ومستقبل الانتخابات النيابية، هذا اذا عرفت الاحزاب كيف تستفيد من اخطائها البلدية.