الزيارة التاريخية والاستثنائية التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية، طوت صفحة التباين والتباعد التي سادت العلاقات بين الرياض وواشنطن أواخر ولاية باراك أوباما الثانية، وأعادت مستوى الثقة والتعاون بين البلدين، إلى ما كان عليه على مدى عقود طويلة من الزمن.
الأهمية الاستراتيجية لنتائج المحادثات الناجحة بين الملك سلمان بن عبدالعزيز وضيفه الرئيس الأميركي، لا تقتصر على حجم التعاون غير المسبوق في قطاعات الصناعات العسكرية والنفطية والتكنولوجية، وتعزيز قدرات الجيش السعودي وتزويده بأحدث أنواع الأسلحة، وحسب، بل تتعدّى العلاقات الثنائية، لتشمل هذه المجموعة الكبيرة من الدول، التي شارك قادتها في القمة العربية – الإسلامية، والتي يمكن اعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية المشتركة التي أقرها الزعيمان، لمحاربة التطرّف والإرهاب، والتصدي لكل ما يزعزع أمن واستقرار المجتمعات العربية والإسلامية.
القراءة في توجهات الاستراتيجية الجديدة تُشير إلى أن مرحلة العنف، بكل أشكاله، العسكري والإرهابي، إلى زوال، وأن ثمة خططاً جدية وسريعة للقضاء على القواعد الإرهابية، وملاحقة قادتها ومموليها، والعمل على تخليص المجتمعات العربية والإسلامية من شرورها.
وثمة أكثر من إشارة في الكلمات الرئاسية، كما في المقررات الرسمية، تتضمن تحذيرات واضحة لإيران بضرورة الانضمام إلى جهود الأمن والاستقرار في المنطقة، وإنهاء سياسة التدخل والعبث بأمن دول عربية وإسلامية، تحت أعذار ومسميات شتى، والعودة إلى حدودها السياسية الحالية، واستئناف سياسة حسن الجوار.
لقد أوضحت القمة السعودية – الأميركية في الرياض، أن الولايات المتحدة الأميركية عائدة للقيام بمسؤولياتها الدولية والإقليمية، في إنهاء دورة الاضطرابات والحروب الدامية التي انفجرت في المنطقة، إثر تراجع إدارة أوباما عن التزاماتها السياسية والأمنية تجاه الدول العربية الحليفة، وترك الساحة مفتوحة للتدخلات الإيرانية، بدءاً من الانسحاب الأميركي الملتبس من العراق بالتنسيق والتواطؤ مع الجانب الإيراني، إلى تجاهل ظهور «داعش» وأخواتها في سوريا والعراق، والأدوار الخفية التي ساعدت على إعلان ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام».
ولعل فوز الرئيس الإيراني الإصلاحي حسن روحاني بولاية ثانية، على منافسه المدعوم من الجناح المتطرّف في طهران، يساعد على تسريع خطوات إخماد النيران المشتعلة في الإقليم، والقضاء على القواعد الإرهابية، وإنهاء موجة العنف الراهنة العسكرية والميليشياوية والتي ساهمت في إيجاد البؤر الإرهابية.
* * *
ولكن نجاح ترامب في استعادة صورة «أميركا القوية» يتطلب أيضاً خطوة أميركية جدّية وحاسمة في مسار المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية على خلفية الخريطة الأميركية المعروفة لحل الدولتين، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والتي أصبحت متداولة في مواقف الإدارة الأميركية الحالية.
بعد عقود من الحروب الطاحنة، وسنوات مديدة من الفتن المدمرة، تقف المنطقة العربية على مفترق مصيري: إما الاتجاه إلى عصر من السلام مثيلاً لما شهدته أوروبا بعد حربين عالميتين دمرتا الحجر والبشر، وإما السقوط في مرحلة متجدّدة من العنف والاقتتال الانتحاري، إذا لم تغلّب إيران برئاسة روحاني وفريقه الإصلاحي، العقل والحكمة في إصلاح علاقاتها مع دول الجوار العربي والإسلامي.
المنطقة بعد قمّة الرياض التاريخية لن تكون كما كانت قبلها!