هل «حزب الله» إرهابي؟ سؤال يحق لنا طرحه من منطلق أن الدول الغربية والعربية أدرَجت الحزب على لوائحها الإرهابية ومن منطلق أن الحزب يُمثّل شريحة كبيرة من اللبنانيين. ما هي التداعيات السياسية والإقتصادية لهذا الإدراج؟ وكيف لنا كحكومة تدارك الوضع؟
الإرهاب بتعريفه النظري هو العملية التي تحوي على إستخدام الرعب لأغراض سياسية. هذا التعريف يطرح مُشكلة منذ البداية من ناحية صعوبة التمييز بين الثورة والإرهاب. فمثلاً، على الرغم من إستخدام العنف والرعب خلال الثورة الفرنسية، إلّا أنها سُمّيت بالثورة وهي اليوم رمز للحرية، التساوي والأخوة في المجتمع الفرنسي وحتى للعالم أجمع.
تطوّر إستخدام كلمة إرهاب مع الوقت حيث بات يشمل وسائل ترهيب حديثة لم تكن موجودة في السابق. وأصبح في بعض الأحيان مُجرّد التواصل مع «إرهابي» يجعل من الشخص إرهابياً. لذا تُطرح مُشكلة موضوعية هذا التعبير.
فالنظام السوري يستخدم كلمة إرهاب لوصف المعارضين السوريين في حين أنّ الدول الغربية والعربية تصف النظام السوري بالإرهابي والمعارضين بالثوار!
نعم، إنّ مُشكلة إستخدام الإهاب تكمن في موضوعيتها. ويُمكن طرح الأسئلة عن الكثير من الأنظمة العالمية الحالية التي قامت على الثورات وعلى إستخدام العنف ووسائل الترهيب لأهداف سياسية.
من هنا نرى أنّ تصنيف شخص، مؤسسة، نظام أو دولة كإرهابي يختلف من دولة إلى إخرى، وبالتالي نتج عن ذلك وضع لوائح إرهاب تُدرج فيها الأسماء التي تُصنّف إرهابية من قبل الدولة. والجدير بالذكر أنّ هذه اللوائح لا تتطابق بل هناك فروقات.
على سبيل الذكر، تمّ إدراج «حزب الله» على لائحة الإرهاب الأميركية في العام 1997، في حين أنّ «الجناج العسكري» للحزب تمّ إدراجه على لائحة الإرهاب الأوروبية في العام 2013. وحديثاً تمّ إدراجه على لائحة الدول العربية (معظمها). لذا يُستنتج مما سبق أن تصنيف كيان (دولة أو منظمة) هو عمل سياسي بإمتياز ولا أساس قانونياً له.
القانون الأميركي الذي صدر في كانون الأول 2015 والذي يفرض عقوبات على المؤسسات المالية والمصارف التي تتعامل مع «حزب الله» وما تبعه من مرسوم تطبيقي لهذا القانون وتعميم مصرف لبنان الأساسي الرقم 173، كلها تذهب بإتجاه التضييق على «حزب الله». ويبقى السؤال لماذا؟ هل كان هناك من حاجة لقانون جديد؟
الجواب بإعتقادنا أنه لم يكن هناك من حاجة قانونية للقانون الأميركي لفرض عقوبات على «حزب الله». فلائحة الـSDN أو ما يُعرف بالـ Ofac List كانت كافية لفرض عقوبات على أي شخص أو مؤسسة تابعة لـ«حزب الله» أو تُسهّل أعماله المصرفية والمالية.
لذا نرى أن هذا القانون كان حاجة سياسية لزيادة الضغط على «حزب الله» للتراجع على محورين أساسيين بالنسبة إلى الغرب والدول العربية: أولاً على صعيد الجبهة السورية والتي يلتزم بها «حزب الله» بالكامل مع آلاف المقاتلين داخل سوريا. وهنا المطلوب من الحزب (من وجهة نظر المُجتمع الدولي) سحب مقاتليه والتوقف عن التدخل في الشؤون السورية. ثانياً على صعيد الجبهة مع إسرائيل، تغيير نمط التعاطي مع هذا الملف.
للأسف لا يزال «حزب الله» يرفض الإرادة الدولية وهذا يضرّ ليس فقط بمصالح «حزب الله» بل بمصالح الدولة اللبنانية على الصعيدين الاقتصادي-المالي والسياسي. فإقتصادياً، هناك تهديد لمصالح لبنان الاقتصادية مع دول الخليج التي تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد اللبناني إن عبر التبادل التجاري أو عبر العمالة اللبنانية في دول الخليح. أما سياسياً، فنرى تراجعاً كبيراً للبنان على الساحة الدولية حيث أصبح لبنان تحت أضواء وإنتقادات المُجتمع الدولي.
لقد رفضنا الاحتلال السوري خلال ثلاثين عاماً وأردنا أن تكون العلاقة بين لبنان وسوريا علاقة بلد إلى بلد وليس علاقة بلد مُحتلّ مع بلد يحتله. لكن وبعد الانسحاب السوري، قلب «حزب الله» المُعادلة وأصبح يُقاتل في سوريا! وهذا الأمر مرفوض من قبلنا.
لكن هل هذا الأمر يعني أنه يجب تصنيف «حزب الله» كمنظمة إرهابية؟ بالطبع لا، خصوصاً أنّ «حزب الله» مُمثل في الحكومة والبرلمان اللبنانيين، لذا يجب معالجة تدخل الحزب في سوريا سياسياً ويجب العمل على الصعيد الحكومي أكثر للضغط على «حزب الله» من أجل سحب مقاتليه الذي هم لبنانيون قبل كل شيء، يُقاتلون من أجل النظام السوري.
أما في ما يخصّ إسرائيل فهي لا تزال عدواً للبنان ما دامت تحتل مزارع شبعا، وتأخذ مياه الوزّاني وتقضم مساحة من المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، وهذا الأمر لا جدل فيه. أما تحرير القدسّ كما يُطالب فيه «حزب الله» فهو لا يعني لبنان أكثر ممّا يعني الدول العربية ولم نرَ جيوشاً عربية آتية لتحرير القدس، لذا لماذا على لبنان تحمّل هذا الخيار الذي لا يعود حصرياً لـ»حزب الله» بل هو قرار حكومة؟
إن موضوع تطبيق العقوبات على «حزب الله» يبقى موضوعاً حسّاساً جداً ويجب معالجته بالسياسة من خلال الحكومة. ولا يجب بأي شكل من الأشكال تحميل المصارف عبء إتخاذ قرارات أصلاً هي من خارج صلاحياتها كتطبيق عقوبات على أحد الوزراء!
إنّ إلتزام المصارف بتطبيق القانون الأميركي هو كلّي ولكن لا يجب إستخدام هذا الإلتزام لأهداف سياسية قد تضرب هيكلية النسيج اللبناني، فكل شيعي في لبنان ليس إرهابياً ونرفض أن يتمّ تصنيف شخص بإرهابي إذا كان شقيقه مثلاً يُقاتل في سوريا بقرار من قيادة «حزب الل»ه!
الحكومة اللبنانية هي الوحيدة المُخوّلة البتّ في هذا الموضوع، وهنا تبرز الحاجة إلى إنتخاب رئيس للجمهورية لكي لا يكون هناك عشرات الأصوات التي تذهب إلى الخارج بل موقف رسمي موحّد يُعبّر عنه رئيس الجمهورية اللبنانية.