Site icon IMLebanon

قراءة البصمة في  قعر الفنجان الرئاسي

لا تزال عاصفة ترشيح العماد عون للرئاسة من معراب تطغى على غيرها من العواصف الأخرى، الطبيعية والسياسية على السواء. وكل يوم يظهر بُعد جديد لهذا الترشيح المثير، لدى قارئي الفنجان السياسي اللبناني. وبعضهم يرى اليوم، في قراءته لبصمة قعر الفنجان، ان هذه التطورات المفاجئة وغير المتوقعة في متغيرات معركة الشغور الرئاسي، ليست من نتاج العبقرية اللبنانية البحتة وحدها، وانها على العكس ما هي الا وحي بوحي! وعليه فإن هؤلاء المفسرين يعتقدون أن بادرة الرئيس سعد الحريري بترشيح سليمان فرنجيه للرئاسة كانت هي الفصل الأول من هذا الوحي. وان مفاجأة جعجع بترشيح العماد عون للرئاسة هيا لفصل الثاني من الوحي نفسه! وبناء عليه – يستنتج أولئك المفسرون – أن فصولاً أخرى ستتبع، بقليل أو بكثير من الإثارة، وصولاً الى الهدف الأخير المتوخى، وهو – ليس الانتخاب الرئاسي كما يتوهم البعض – وانما هو فك التحالفات المزعجة أولاً، ويعقبها بعد ذلك الانتخاب الرئاسي!

في غضون ذلك يكثر التعبير عن المواقف إما بكثير من الكلام المفهوم وغير المفهوم، وإما بكثير من الصمت! وبعض ما يقال هو من نوع التكتكة السياسية التي ينتهي مفعولها بعد التفوه بها! البعض يعرف الحقائق كما هي، ولكنه يتذاكى بعرض طروحات لا تستند الى وقائع. ومثال ذلك القول إن حزب الله حليف العماد عون قادر على اقناع سليمان فرنجيه بسحب ترشيحه. ولو تم ذلك افتراضاً، فهل يعني ذلك ضمان وصول عون الى الرئاسة؟ والجواب هو: لا، لأن هذا الترشيح يصطدم أصلاً بعدم اقتناع تيار المستقبل بجدواه. ولو أجمعت الكتل الأخرى كافة على دعم ترشيح العماد عون، وعارضه فقط تيار المستقبل، فإن الرئيس بري سيحجم عن الدعوة الى جلسة انتخاب غير ميثاقية ويغيب عنها أي مكوّن لبناني رئيسي، أكان تيار المستقبل أم سواه.

التعقيدات اللبنانية معروفة من أزمة النفايات الى أزمة الشغور الرئاسي المفتوح في الزمان الى أجل غير مسمى… ولكن ما يستعصي على الفهم هو ظهور منطق غير مفهوم، لم يجد حسنة واحدة في تقارب جعجع وعون، ولا حتى من زاوية تخفيف الاحتقان والتوتر في الصف المسيحي، واحداث نوع من الانفراج له سوابق نادرة. وقد لا يعكس ذلك نبضاً حقيقياً في الوجدان المسيحي اللبناني، أو أنه يمثل وجهة نظر ميكروسكوبية. وأهميته ان هؤلاء الغاضبين من تلاقي القطبين، هو في أنهم يملكون مكبرات للصوت، تظهرهم أكبر من حجمهم الحقيقي بكثير. وبصرف النظر عن مختلف الآراء والمواقف – المتناغمة أو المتضاربة – فإن الحقيقة الظاهرة والثابتة حتى الآن، هي أن الاستحقاق الرئاسي مؤجل الى أجل غير مسمى!