Site icon IMLebanon

قراءة من الخارج في خيارات «التيار الوطني الحر» زمن قيادة جبران باسيل:

قراءة من الخارج في خيارات «التيار الوطني الحر» زمن قيادة جبران باسيل:

انقلاب لمصلحة من يظن أن باستطاعته تحسين انخراط المسيحيين في الطائف المعوّم

«تقرير لمركز أبحاث فرانكوفوني يعتقد أن من له القدرة على أن يسيطر على لبنان يتردّد كثيراً في ذلك»

قد تكون الانتخابات الداخلية التي طواها التيار الوطني الحر على رئاسة الوزير جبران باسيل للسنوات الاربع المقبلة، الاكثر حضورا وتداولا في السياسة والاعلام، بين نظيراتها في الاحزاب والتيارات الاخرى، على لسان الحلفاء والاصدقاء قبل الخصوم، في الشارع كما في صالونات النخب السياسية والديبلوماسية.

مردّ هذا الحضور الطاغي، جملة عوامل سياسية وحزبية:

1-شخصية مؤسس التيار وزعيمه العماد ميشال عون الذي حوّل العبارة الشهيرة للسفير جيفري فيلتمان عنه unpredictable and uncontrollable، اي الذي لا يمكن التنبؤ بأفعاله ولا يمكن السيطرة عليه، من مأخذ اميركي وتأفف وتململ الى مصدر فخار له، رغم يقينه ان الديبلوماسية عموما، والاميركية خصوصا، تفضّل التعامل مع قياديين يسهل قراءة افكارهم وتوقع تحركاتهم.

2-الاشكالية السياسية التي رافقت نشوء التيار الوطني الحر في بداية التسعينات والتي بلغت ذروتها في ربيع العام 2005، عندما تمنت باريس على عون ارجاء عودته الى بيروت لانها وقوى 14 آذار خشيتا ان يطيح بالتفاهم السياسي- الانتخابي الذي رعته واشنطن في ذلك الوقت. وقد تبلغ عون رسميا هذا الموقف الفرنسي. وتعود هذه الاشكالية في العلاقة بين التيار ومختلف الاحزاب اللبنانية، هي الاخرى، الى طباع العماد عون وشخصيته وآليات مقاربته المسائل، وهي بغالبيتها آليات غير تقليدية، بالمعنى السياسي – الحزبي اللبناني.

3- جبران باسيل نفسه الذي أخذ في الاعوام الـ15 الفائتة الكثير من شخصية العماد عون وخصاله السياسية، كالطبع الحاد وأحادية القرار، مما أثار له عداوات «الكار» داخل التيار، هي نفسها مجموعة النواب والقيادات التي تكتلت ضده في الانتخابات وقدّمت النائب الان عون ليكون رأس حربتها، رفضا للوراثة (!) ورغبة منها في شخصية وفاقية تشاورية تقود التيار.

4-الموقع المتقدم لباسيل عند العماد عون، وهو أمر أضرم المزيد من النار في علاقته المتوترة اصلا مع تلك المجموعة. وبيّنت أزمة الانتخابات الداخلية ان الغرضية طغت على حراك كثر من اركان المجموعة المعارضة بغية مراكمة مكاسب محددة، حزبية بغالبيتها، وعينية في بعضها. أما فترة ما بعد انتهاء الازمة فتكشّفت عن مسارعة كثر من هؤلاء المعارضين -الاركان الى محاولة اعادة خطوط التواصل مع الرئيس الجديد سعيا الى مكاسب مماثلة!

في أي حال، تعددت القراءات لرئاسة باسيل، من غير ان تأتي شاملة بالمعنى السياسي – الاستراتيجي. جلّها ركز على العلاقة المتوترة بين باسيل وخصومه، وعلى تفضيل عون صهره على ابن اخته النائب آلان عون. لكن كيف تُقرأ هذه التطورات من الخارج؟ وهل لها علاقة بالخيارات المتوقع ان تسلكها القيادة الجديدة؟

أضاء احد مراكز الابحاث الفرنكوفونية على ما ينتظر التيار الوطني الحر في عهد باسيل، استهله بقراءة عامة للوضع السياسي في لبنان ربطا بأداء المكونين الشيعي والسني في مرحلة الطائف.

يقول التقرير: سار المكون الشيعي خلف الإمام موسى الصدر الثائر المهمش ومن ثم خلف (رئيس مجلس النواب) نبيه بري و(السيد) حسن نصرالله اللذين عرفا كيف يبتلعان نظاماً اراد ابتلاع طائفتهما. وبعدما وجد (هذا المكون) نفسه مهمشاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في سنوات العزّ في لبنان، استرد حقوقاً جعلته في قلب المعادلات الوطنية وحتى الاقليمية. فأصبحت الطائفة الشيعية في قلب النظام السياسي والاجتماعي والعسكري والامني والاقتصادي، فيما انهارت المارونية السياسية وهمش المسيحيون، وتزعزع نظام الطائف تحت خفة الطبقة السياسية(…).

يضيف: في حين يعاد ترسيم إطار اللعبة الجيوسياسية في المنطقة، يمر لبنان بمرحلة اعادة تأسيس يسعى من هو في قلب المعادلات، اي من يرى نفسه في صف الرابحين شرق اوسطياً، ألا يكرر اخطاء من سبقه في المواقع الوطنية الريادية. فيرفض المكون الشيعي تهميش المسيحيين ومنهم خصوصا من هو متحالف مبدئياً معه (…). كما يرفض من لا يسعى لفرض شيعية سياسية غير مضمونة النتائج (…) ان يخرِج من المعادلة الوطنية المكون السني القوي والمتقبل للغير في زمن التكفير الحالي. فيكرر المسؤولون الشيعة انهم لا يسعون لتعديل الطائف، ولو كتابة. كما يكررون دوما انهم بحاجة للتنوع الذي يقدمه للإسلام الوجود المسيحي المميز في لبنان.

ويشير التقرير الى ان «من له القدرة ان يسيطر على لبنان اليوم يتردد كثيرا في ذلك، لا بل يرفض ان يخطو هذه الخطوة المميتة للصيغة الحالية. وإذا ما اقترنت الاقوال بالأفعال، فهذا يعني ان الطائفة الشيعية ستفرض نفسها في قلب واساس معادلة الطائف التي ستسعى جاهدة للحفاظ عليها بمشاركة الشريكين الآخرين، الشريك السني التائه سياسيا والشريك المسيحي المشكك اصلا في صيغة الطائف. لذا، ومع التسويات التي تطبخ للمنطقة في الكواليس، يسعى الثنائي الشيعي نبيه بري وحسن نصرالله الى تثبيت مكاسب طائفتهما وجماعتهما وهما يكرسان التوازنات المنبثقة عن الطائف من اجل طمأنة الشريك السني. وفي الوقت عينه، لا بد من استيعاب المكون المسيحي من خلال اشراك الحليف العوني في اعادة انتاج تركيبة سياسية تحل مكان تلك التي انطوت صفحتها مع زوال الاحتلال السوري. وتصبح المعادلة الجديدة، في ظل التفاهمات الاقليمية الراهنة:

– تعويم اتفاق الطائف بما يطمئن السنة وما يمثلون من مصالح اقليمية ايضا،

– وممارسة سياسية بما يطمئن المسيحيين المشككين في ديمومة وطنهم وفي وجودهم المشرقي».

ويلفت الى ان «شروط انجاح هذا التفاهم الجديد الذي يرسم حدود اللعبة السياسية للبنان لسنوات طويلة مقبلة، هي:

– ان يواكب التفاهمات الاقليمية الكبرى وأن لا يناقضها،

– ان يقبل المكون السني القوي فكرة تلطيف اتفاق الطائف ممارسة، وأن يضمن المكون الشيعي بدلا من الوصي السوري تعويم الاتفاق،

– ان يفهم المكون المسيحي القوي ان المسيحيين هم اليوم مرة جديدة على مفترق طرق، وأن عليهم ان ينخرطوا في المعادلة الجديدة وهم من رفضوا في غالبيتهم الانخراط في معادلة الطائف المضمون سورياً وسعودياً.

ويخلص التقرير الى انه «من هنا يُفهم، جزئياً، الانقلاب الذي حصل داخل التيار الوطني الحر لمصلحة من يظن ان باستطاعته ان يحسن شروط انخراط المسيحيين في الطائف المعوّم والمضمون شيعياً واقليمياً».