في تعقيب على احتفال تسليم بطاقة الانتساب للدفعة الاولى من القواتيين، يمكن تسجيل ملاحظتين اساسيتين حول هذا الحزب الفتي الذي لا يشبه غيره من الاحزاب اللبنانية، وربما العربية.
الملاحظة الاولى ان حزب القوات اللبنانية اقفل رسمياً الطابع العسكري الذي رافقه لعقود، وشرّع ابوابه امام السلام والديموقراطية وممارسة الحياة السياسية من خلال حزب طريّ العود عمراً، لكنه الحزب الوحيد الذي تعمّد بالنار والنضال والتضحيات والشهادة، قبل ان يخلع الثوب العسكري ويرتدي الثياب المدنية، وينغمس في النضال السلمي من أجل قيام دولة قوية ديموقراطية سيّدة على كامل التراب اللبناني، وان يكون حزباً غير تقليدي وغير عشائري وغير مناطقي وغير طائفي، ولكنه في الوقت ذاته سيكون على اهبة الاستعداد، ويده على الزناد دفاعاً عن لبنان، وعن قيم وتراث وثوابت عمرها 1600 سنة. وبهذه المعادلة التي اختطها الحزب، معادلة النضال في السلم والمقاومة عندما تدعو الحاجة، جعلت من القوات اللبنانية لاعباً اساسياً على الساحة الوطنية، ولاعباً يملك تأثيراً كبيراً على الساحة المسيحية، حيث اظهرت الاحصاءات واستطلاعات الرأي ان اكثر من 65 بالمئة من الشباب المسيحي يؤيد حزب القوات اللبنانية في سياسته وطروحاته.
الملاحظة الثانية، تتعلق بسمير جعجع وبشخصية سمير جعجع، وبقدراته الكبيرة على مقاربة العديد من القضايا والاهتمام بها في ذات الوقت، وبما يملك من صبر وجلد وقوة تدبير وتنظيم ومتابعة حتى لأدق التفاصيل، ليأتي حزب القوات اللبنانية، على الصورة العصرية المتقدمة، تنظيماً وتثقيفاً وممارسة أثارت الاعجاب في مناسبات عدة، كان آخرها احتفال توزيع الدفعة الاولى من بطاقات الانتساب التي ينتظر ان يتسلمها تباعاً حوالى 25 الف عضو تم اختيارهم حتى الآن من عشرات الوف الطلبات المقدمة، وفي قراءة لاهمّ ما ورد في كلمته في الاحتفال، اكدّ جعجع مجدداً على خيار قيام الدولة القوية والمؤسسات الدستورية، وعلى جمع السلاح غير الشرعي وحصريته بيد القوى الشرعية، ورسم خريطة طريق للحزب تقضي بمحاربة الفساد الذي ينهش الدولة ومواردها، والزبائنية السياسية، والبيروقراطية، مادّاً يده الى الجميع، على قاعدة ان من يقاتل بشرف، مثلما فعلت القوات، قادر ان يحاور ايضاً بشرف، وهي الاشارة غير المباشرة لتصميم جعجع على محاورة العماد ميشال عون بصدق وشرف، بعد ترحيبه بمشاركة امين عام التيار الوطني الحر ايلي خوري في الاحتفال، وهي من ثمار خطوات الحوار المفتوح بين القوات والتيار.
وفي هذ الموضوع تحديداً، لا بدّ من تسجل امرين هامين، الاول ان كلا من جعجع وعون، يأتيان الى القيادة الحزبية، بين الاحزاب ذات الطابع المسيحي الطاغي، من عائلتين لبنانيتين متواضعتين، ولم يرثا زعامة وقيادة كغيرهما من القيادات ورؤساء الاحزاب والتيارات، اما الامر الثاني والمهمّ، والذي قد يكون عقبة اساسية امام تفاهمهما على منصب رئاسة الجمهورية، فهو تمسّك الرجلين بمفهومهما للمصلحة الوطنية، ففي حين يصرّ جعجع على حصرية اقتناء السلاح وحمله واستعماله بالجيش والقوى الامنية فحسب، فان عون لا يرى غضاضة في سلاح حزب الله، ويعتبره مفيداً في حماية لبنان من اسرائيل والارهاب، وبالتالي فان هذا الاختلاف في استراتيجية كل واحد منهما، قد يحول دون قبول احدهما بالآخر رئيساً للجمهورية، لكنه يجب الا يحول دون تفاهمهما على القضايا المسيحية الاخرى ذات الصلة بالعلاقات مع الشريك الآخر، مثل استباحة ارض المسيحيين، ان بالشراء او وضع اليد او الاحتلال، وباختلال التوازن في وزارات الدولة ومؤسساتها، على صعيد التوظيف والمشاريع، والاهم من كل هذا قانون الانتخابات وصلاحيات رئيس الجمهورية وما لم ينفذ من اتفاق الطائف.
حزب القوات، مدماك جديد قويّ، في بناء لبنان والدولة اللبنانية.