في بداية قراءة الخطاب الثالث لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري، لا بد من وقفة انتقادية للمآدب الرمضانية السياسية والزعماتية التي يقيمها البعض علناً على شاشات التلفزة، وتشكل استفزازا صارخاً لمئات الوف العائلات اللبنانية التي تعيش صياماً الزامياً طول شهور السنة، وليس في شهر رمضان المبارك فحسب، لان هذه العائلات تعيش اما تحت خط الفقر، واما على حدوده، ولان المدعوين الى هذه المآدب، هم عادة من اهل التخمة والثراء، وهم، بالشراكة مع هذه الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة، سبب تعاسة افراد العائلات وفقرهم وعوزهم، وسبب بطالة ابنائهم، او هجرتهم الى المجهول طلباً للرزق، واذا كان احد من المدمنين على اقامة مثل هذه المآدب، يقول اننا احرار في التصرف باموالنا، نرد عليه بالقول، اذا كانت اموالكم من الحلال، فعلى الاقل استتروا، واذا كانت اموالكم من الحرام، فهي من دم الشعب وعرقه، ومكانكم ليس في مآدب رمضان، بل وراء القضبان.
***
في العودة الى كلمة الرئيس الحريري الثالثة، التي تعتبر الاهم حتى امس الاحد، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية.
اولا: كان مقنعاً في تبريره للخطوات غير الشعبية التي قام بها، والتي تتناقض مع ثوابت انتفاضة 14 آذار، ومع اقتناعاته شخصياً، لكنه قام بها من باب اغتنام اي فرصة، لمنع قيام الفتنة في لبنان، واستعادة سوريا الى الصف العربي، واستعداده للقيام بمثلها لو اقتضت المصلحة اللبنانية ذلك.
ثانياً: شن هجوماً عنيفاً على الرئيس السوري بشار الاسد، وعلى حزب الله، الاقرب من النائب سليمان فرنجيه، مرشحه حتى الان الى منصب الرئاسة الاولى، مع الاشارة الى انها المرة الاولى التي لم يعلن فيها استمرار دعمه لفرنجيه، دون ان يؤكد او ينفي ما شاع حول اقترابه من تأييد العماد ميشال عون، او مرشح آخر من خارج نادي المرشحين الاربعة الاقوياء.
ثالثا: كان واضحاً من كلامه ان غيابه الطويل عن لبنان لمدة اربع سنوات كاملة كان له تأثير كبير على لحمة تيار المستقبل، وعلى علاقاته بحلفائه، مؤكداً على بقائه في لبنان ومواجهة خصومه في الداخل والخارج، ممن يحاولون تصفيته سياسياً او جسدياً.
رابعاً: على الرغم من معرفته بالصعوبات الكبيرة التي تواجهه سياسيا وامنياً، في سعيه لايجاد الحلول للمشاكل الكثيرة التي يواجهها لبنان، الا انه اكد ان الطريق غير مسدودة، ويستحق لبنان ان يتعب ابناؤه من اجل انقاذه.
***
من ناحية اخرى، تقول اوساط «مستقبلية» انه من غير المستبعد ان يقوم سعد الحريري، بمبادرة ما تجاه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تعيد «الدفء» الى العلاقة بين الطرفين، بعدما اصبح الآمر الناهي مباشرة وليس بالواسطة، وسبق للنائب القواتي فادي كرم واكد ان التواصل مستمر بين جعجع والحريري، للعمل على صيغة واضحة للتفاهم بينهما، حول بعض المواقف والاستراتيجيات، او على الاقل ان يتفهم كل واحد ما يريده الاخر.
تجدر اخيراً، في هذا السياق، الاشارة الى ما كتبته صحيفة عكاظ السعودية المقربة من السلطات السعودية، في وصفها للحوار الدائر بين تيار المستقبل وحزب الله، بأنه «مضيعة للوقت» وثرثرة لا تقدم او تؤخر بشيء…» كما وصفت خطابه الاخير «بالشجاع» ولكنها رأت ان الخطوة الثانية التي لها علاقة «بالتغيير والمحاسبة» تحتاج الى «شجاعة اكبر» وكأن الصحيفة تنتظر او تتوقع ان تطول المحاسبة شخصيات بارزة في تيار المستقبل، لم تكن على قدر المسؤولية.