IMLebanon

قراءة في حكومة الثلاثين

لا يمكن القول ان هذه الحكومة هي التي كان يحلم بها اللبنانيون، بعد الحكومات التي تعاقبت عليهم، وكان بعضها كيدياً، والبعض الآخر، فاسداً، واخرى عاجزة او مرتهنة.

اللبنانيون، كانوا يطمحون لحكومة تحكم ومعارضة تراقب وتحاسب، لحكومة لا يتجاوز عدد اعضائها العشرين على ابعد حدّ، كل وزرائها من ذوي الصيت الحسن، وطنياً واخلاقياً وممارسة والتزاماً، وليس نصفها او ربعها، حكومة منسجمة متعاونة متفاهمة على القضايا الاساسية التي تعني الوطن والدولة والشعب، حكومة تحرص على كل شبر من لبنان، حتى ولو كانت من لون احد. حكومة شعارها وبيانها الوزاري، ان الشعب اولوية، همومه وعذاباته ومشاكله وحاجاته، اولوية، ولكن الحسابات الطائفية والمذهبية والسياسية، وحسابات الربح والخسارة، وحسابات الغالب والمغلوب وحسابات اللعب على وتر الميثاقية، وحسابات ماذا يريد الغريب من لبنان والبعيد عنه، حرمت اللبنانيين من هذه الحكومة، لان هناك من هدد، الحكومة ثلاثينية ويدخل اليها فلان وفليتان، او لا حكومة، و«شوفوا شو بدكن تعملوا»…

بعد احداث العام 1958 وانقسام الشعب طائفياً وسياسياً، رأى الرئيس اللواء فؤاد شهاب بعد استلامه الحكم خلفاً للرئيس كميل شمعون، ان «ميني حكومة»  من رئيس وثلاثة وزراء افضل من حكومة فضفاضة، كهذه الحكومة، لاعادة ترتيب الوضع الداخلي وازالة الانقسام الشعبي، فكانت «حكومة الاربعة التي ولدت يوم الاربعا» وكانت برئاسة الحاج حسين العويني والوزراء رشيد كرامي وبيار الجميل وريمون اده، وقد اعادت الامور سريعاً الى الانتظام العام، امنياً واقتصادياً وسياسياً، وبعد انهاء مهمتها سلّمت الامانة الى رئيس الجمهورية، فشكل حكومة لكل حقيبة وزير.

لم تهتزّ الميثاقية يومها ولم يغضب الشيعة والدروز والارثوذكس والكاثوليك ولم تقم القيامة وينتصب الميزان، لأن من امسكوا مقاليد السلطة رئاسة وحكومة كانوا مجرّبين ومعروفين بوطنيتهم ونزاهتهم وترفعّهم عن الحرتقات والكيديات وما زال ذكرهم حتى اليوم معطرا بالاحترام والتقدير كرجال دولة من الطراز الاول.

***

على اي حال، ما رسم قد رسم، ومرسوم التعيين سينشر غدا في الجريدة الرسمية والخزينة العامة ستتحمّل تعويضات ونفقات ومخصصات ستة وزراء لن يفعلوا الكثير في الاشهر القليلة المقبلة ونتمنى على الشعب اللبناني ان يراقب عمل الوزراء وانتاجيتهم ويحاسب كل واحد على الوزنات التي اعطيت له، في غياب مجلس النواب الممثل بكامله في الحكومة باستثناء قلّة، ويعرف من تصرّف بها لمصلحته الشخصية او لمصلحة طائفته او مذهبه او حزبه ومن اجتهد فضاعفها لمصلحة الدولة والشعب ومن ارجعها كما هي لأنه لم يكن يستحق منصبه.

بين وزراء حكومة الثلاثين من جرّب واستفاد ومن فشل في مهمته ومن اجتهد ونجح وكسب محبة الناس واحترامهم وبينهم ايضا من يطلّ لاول مرة على عالم الحكم والسلطة والحكم عليهم سلفا غير جائز مهنيا واخلاقيا وفي مصلحة الوطن والمواطن ان يكونوا من فريق من اجتهد وضاعف وزناته لأن الوطن في هذه الايام الصعبة البائسة بحاجة الى جهد واخلاص كل لبناني يؤمن بلبنان الوطن النهائي الديموقراطي الحر السيّد، المستقل الذي لا شريك به، ولا سيّد عليه الا سيادة الشعب والدولة.

***

في نهاية مقالي لا يمكن ان اختم دون ان اهنّئ زملائي الصحافيين ومعهم اللبنانيين بوزير الاعلام الجديد الصديق ملحم الرياشي الذي يحمل وزميليه امانة كبيرة هي امانة التغيير حيث هم وان يكونوا عدوى نافعة تصيب جميع الوزراء ليحدثوا فرقا ايجابيا.