ما الذي يضمن الاستقرار النسبي في لبنان برغم تكاثر الأخطار عليه؟ ألسنا في وضع اقتصادي ومالي واجتماعي صعب؟ ألسنا في وضع سياسي يبدو تحمله مهمة شبه مستحيلة، حيث الجمهورية بلا رئيس، والحكومة لها ٢٤ رئيساً يملك كل منهم حق الفيتو لتعطيل أي مشروع، والمجلس النيابي ممدد له وعاطل عملياً عن العمل؟
على مدى سنوات، ونحن نعيش على جواب واحد يقدمه يومياً المسؤولون وغير المسؤولين: المظلة الدولية المرفوعة فوق لبنان. فاللاعبون الاقليميون والدوليون المتصارعون على أمور كثيرة في المنطقة متفقون على ضمان الاستقرار في لبنان. ولا يبدل في الأمر كون مصالح اللاعبين وأسبابهم مختلفة، ما دامت نقطة التلاقي هي منع الانهيار لكي يخدم لبنان اللعبة الاقليمية والدولية التي تحتاج الى الاستقرار فيه. ولا أحد يجهل أن كل ذلك يبقى نظرياً من دون أن يكون الجيش اللبناني صمام الأمان الوطني في مواجهة العابثين بالأمن في الداخل والمهددين بالمخاطر عبر الحدود.
الآن يأتينا جواب آخر في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز تحت عنوان الهدوء قبل العاصفة. المقال مأخوذ من تقرير أعده مؤلف البجعة السوداء وضد الهشاشة: أشياء تربح من اللانظام نسيم نقولا طالب ورئيس مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي بين ٢٠٠٩ – ٢٠١٤ غريغوري تريفرتون. ومنطلق المقال سؤال: لماذا انقلبت سوريا المستقرة في الظاهر الى نظام هش، في حين اثبت لبنان الذي في اضطراب دائم أنه قوي؟
الجواب خارج المألوف من خلال هندسة الخطر: سوريا كانت قبل الحرب في استقرار زائف يخفي معطوبية بنيوية عميقة، وفوضى لبنان أشارت الى قوة حيث خدمت ١٥ سنة من الحرب لامركزية الدولة وجلبت مشاركة طائفية أكثر توازناً في السلطة. والعامل الآخر هو اقتصاد السوق في لبنان، على عكس السيطرة الكاملة على الاقتصاد في سوريا على الطريقة السوفياتية، والتي جعلت سوريا أكثر معطوبية من لبنان. لكن المعطوبية الأكثر في سوريا هي أنه ليس لديها سجل في التعافي من الاضطراب في حين ان البلدان التي تجاوزت الفوضى، وبينها لبنان، صارت ملقحة ضد الفوضى في المستقبل.
وهذا بالطبع محل نقاش. كما كانت نظرية ضعف القوة وقوة الضعف. لكن من الصعب تجاهل العامل الداخلي المساهم في ضمان الاستقرار النسبي في لبنان الى جانب ما يسمى القرار الاقليمي والدولي والرهان على الجيش. وهو عامل لا فضل لأحد فيه لأنه نتيجة الأخطاء التي ارتكبناها خلال الحرب. ذلك أن لبنان دفع ثمن العاصفة التي أفادت بلدان الهدوء قبل العاصفة لكي يستحق الآن الهدوء بعد العاصفة.