قراءة دبلوماسية هادئة لنجاحات «عاصفة الحزم» في معارك الجولة الأولى
عسيري: أحبطنا نَسْخَ تجربة «حزب الله» في اليمن عبر الحوثيين
عدم امتثال الحوثي – صالح للقرار 2216 يفتح المجال لجولة ثانية أكثر حزماً لأن زمن المهادنة ولّى لغير رجعة
يقول السفير السعودي لدى لبنان علي عواض عسيري إن المملكة العربية السعودية لن تسمح بأن تتكرّر تجربة «حزب الله» اللبناني في اليمن عبر الميليشيات الحوثية. موقف يحمل في طياته الكثير من المرامي السياسية والأمنية والعسكرية. فـأوجه الشبه بين «حزب الله» و«أنصار الله» كثيرة، لا بل إن جماعة «أنصار الله» أريد لها أن تكون نسخة طبق الأصل عن «حزب الله» في المضمون والشكل، حتى أن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، الذي تم تدريبه بدقة، يتقمص في إطلالاته التلفزيونية شخصية السيد نصر الله. الإثنان من أذرع طهران على خلفية عقائدية – سياسية وهدفهما مدّ النفوذ الإيراني، كل إلى منطقته.
بات لطهران عبر «حزب الله» موطئ قدم على المتوسط، وأضحت على تماس مع إسرائيل، وتصل صواريخها إلى عمق تل أبيب.
وقبل عاصفة الحزم، كانت إيران تعتقد أنها باتت على وشك أن تحقق هدفها الاستراتيجي بإحكام الطوق على المملكة العربية السعودية من خلال الفصل الأخير في مغامرة الميليشيات الحوثية التي كادت أن تسيطر عسكرياً على عدن وتنهي ما تبقى من شرعية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي استطاع الإفلات من محاصرة الحوثيين له في صنعاء واتخاذه عدن عاصمة سياسية مؤقتة. لا بل حين تمت سيطرة الحوثيين على صنعاء بعد زحفهم من صعدة إلى العاصمة، خرج الإيرانيون ليعلنوا أن رابع عاصمة عربية، بعد بغداد ودمشق وبيروت، باتت في يدهم. لكن بعد «عاصفة الحزم» تحوّل المشهد. فرض التحالف العربي، بقيادة المملكة، حصاراً جوياً وبحرياً على اليمن، منعاً لوصول الأسلحة إلى الحوثيين. ضُربت قواعد الصواريخ البالستية بعيدة المدى، ودُمّرت بنسبة كبيرة البنية العسكرية من قواعد ومخازن أسلحة ومراكز قيادة التي كانوا استولوا عليها مع حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح من القوات النظامية. أزاحت المملكة الخطر المباشر عليها وعلى أمنها والأمن الخليجي.
لكن الأهم أن تحالف «عاصفة الحزم» حقق الخطوة الأولى من الهدف الاستراتيجي المتمثل بمنع سقوط اليمن في اليد الإيرانية. نجح عسكرياً في ضرب القدرات العسكرية لـ «الحوثي – صالح» التي أتاحت لهم تفوقاً في المعارك مع أنصار الرئيس الشرعي. ونجح دبلوماسياً في توفير الغطاء الدولي لعمليته عبر القرار 2216 والذي لم يُثبّت شرعية الرئيس المنتخب فحسب، بل تبنى الأسس التي وضعتها المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني للتسوية السياسية، رافضاً أي تغيير في المعادلة الداخلية تم فرضه بقوة السلاح، وفارضاً عليهم إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل انقلابهم لجهة سحب قواتهم من المناطق التي استولوا عليها، وذلك تحت تهديد تنفيذ العقوبات التي يجيزها الفصل السابع، وصولاً إلى استخدام القوة في حال عدم الالتزام بالقرار الأممي.
ووفق المراقبين، فإن الإعلان عن انتهاء عملية «عاصفة الحزم»، بما شكلته من ضربات جوية مكثفة على مدى 27 يوماً، لم يتم قبل تحقيق التحالف الأهداف التي رسمها، من إزاحة الخطر عن أمن المملكة، وتثبيت شرعية هادي وضرب البنية العسكرية للحوثيين – قوات صالح، وتسليمهما ومن ورائهما إيران بأن الحرب ليست متكافئة ولا بد من اللجوء إلى الحل السياسي. وإذا كانت طبيعة المبادرات السياسية والدبلوماسية التي أدّت إلى إعلان انتهاء «عاصفة الحزم» غير واضحة، إلا أن إعلان عملية «إعادة الأمل»، التي زاوجت بين المسارين السياسي والعسكري، يشكل في رأي هؤلاء المراقبين فرصة لاختبار النوايا، ذلك أن خارطة الطريق التي حدّدها القرار 2216 واضحة المعالم لجهة الآلية المطلوب تنفيذها في سياق الشروع بالتسوية السياسية.
على أن الأيام التي تلت الإعلان عن «عاصفة الحزم»، لم تشهد تراجعاً في الأعمال العسكرية من قبل الحوثيين – صالح، الأمر الذي استلزم استمراراً للضربات الجوية للتحالف على مواقع تَقدّم الحوثيين، وهو ما أوحى للمتابعين أن الرهان على إمكان انتهاج الحوثيين سياسة عقلانية قد يكون رهاناً ضعيفاً، من دون الإسقاط من الحساب محاولتهم التقاط الأنفاس وكسب الوقت في ظل تراجع حدة الضربات الجوية ضدهم. فالتجارب السابقة للحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح لم تؤسس إلى حال من بناء الثقة بين الأطياف اليمنية، وقد لا يزال الحوثيون يعتقدون أن بإمكانهم انتهاج سياسة المراوغة في الجلوس إلى طاولة المفاوضات لعقد اتفاقات، فيما هم يقضمون مكاسب عسكرية على الأرض. إلا أنهم سيصطدمون بواقع جديد، وهو أن التحالف العربي سيواصل ضرباته ضدهم في حال عدم امتثالهم لمضامين القرار الدولي، وسيواصل في آن دعم المقاومة الشعبية والقوى النظامية الداعمة للرئيس هادي، ذلك أن قرار التحالف العربي، وفي مقدمه قرار المملكة أن زمن المهادنة قد ولّى إلى غير رجعة، ولا تهاون بالذهاب إلى جولة ثانية أكثر حزماً وفقاً لما تقتضيه مصالح المملكة وحلفائها الخليجيين والعرب، من دون أية حسابات ومهما كلفت هذه المواجهة لو طال أمدها.
فاعتبارات هذا الموقف، في قراءة الدبلوماسية السعودية مبنية على تقييم ودراسة يفيدان أن معركة اليمن سترسم معالم الحلول للأزمات المتفجرة في أكثر من بلد عربي تلعب إيران على ساحته، من العراق إلى سوريا فلبنان.