Site icon IMLebanon

إقرأوا بصوتٍ عالٍ ودعوا الأطفال يحلمون

 

5 دقائق للألعاب الإلكترونية وساعات لقصص وحكايات

 

هناك مئة مليون عربي لا يقرأون ولا يكتبون. ويبلغ متوسط المدة التي يُمسك فيها الطفل العربي بقصة ويسرح في تفاصيلها ست دقائق سنوياً فقط لا غير. لكن، على الرغم من هذا ومن ذاك، لا يزال هناك من يكتب ويتميز. فعلام يراهن كاتب قصص الأطفال باللغة العربية؟ والى أي طفل يكتب؟ وما الفارق بين طفل قارئ وطفل لا يقرأ؟

في الوقت الصعب، لا يعود يشغل بال الكبار سوى تأمين “القوت” وسبل البقاء، غير أن للصغار “حكايات” أخرى إذا تمّ الإلتفات إليها فستساعد في انتشالهم من براثن الضجر والضياع وتضعهم على سكة الخيال. وقليل من الخيال يُسعد الكبار والصغار. والقراءة خيال.

 

كتَبَ الدكتور أنطوان شرتوني، الإختصاصي في علم النفس، أكثر من مئة وخمسين قصة للأطفال، وقصصه تدخل، للسنة الثانية على التوالي، ضمن قائمة الشرف الدولية لكتب الأطفال واليافعين “إيبي”. جميلٌ أن يحلّ لبنان في أعلى القائمة لكن لمن يكتب لبنان ما دام كثير من أطفاله لا يقرأون؟

 

يكتب شرتوني “أدب الأطفال” لصغارٍ تتراوح أعمارهم بين صفر و18 سنة. وتقسيم الصغار يكون على الشكل التالي: مرحلة الطفولة المبكرة قبل ثلاث سنوات، مرحلة الطفولة العادية بين ثلاث وثماني سنوات، تليها مرحلة الطفولة المتقدمة، ثم أدب اليافعين، ثم أدب المراهقين فأدب الراشدين. لكلِ عمرٍ قصصه وحكاياته وقراءاته.

 

للقصة قصة يفترض احترامها كي تستحق تسمية “أدب الأطفال” وتلبي حاجيات الطفل النفسية وتحثه على القراءة. ويفترض في كاتبها أن يكون قادراً على التوغل في الفكر واستنباط الحلول والإسهام بنمو الطفل الذهني. ولنأخذ أول قصة نشرها شرتوني عام 2013 وتحمل عنوان “عصارة الكتب”. فكيف استجابت “الى ما يطلبه” الطفل؟ يجيب: تحكي القصة عن ولدين، بعمر يتراوح بين 9 و12 سنة، مولعان بالعلم والإختراعات ويكرهان الدرس، لذا اخترعا آلة تعصر الكتب، وشربا العصير وأصبحت كل المعلومات في الذاكرة. ويتخلل هذا الاكتشاف مواقف مضحكة ودروس في الحياة.

 

خيال

 

القصة، كل قصة، يفترض أن تُشكّل رسالة الى الطفل- القارئ، على أن تكتب بأسلوب مبسط كي لا يشعر الطفل بالملل. وكتب الأطفال تركز على الصور كي تُحفز على القراءة. في كل حال، ثمة ثلاثة عناصر تتشارك في إنجاح “أدب الأطفال”.

 

أولاً، أن تكون القصة جميلة وتستجيب لحاجات الأطفال وحياتهم اليومية وحقيقة ما يعيشون.

 

ثانياً، أن تكون القصة محبوكة جيداً وعناصرها متوافرة.

 

ثالثاً، أن تضم صوراً جذابة، تثير حشرية الصغار، خصوصاً في القصص الموجهة الى الأطفال ما دون التاسعة. وكلما كبر الطفل في العمر كلما صغر حجم الصور ومكانها وعددها في القصة الموجهة إليه. يهم أن يعرف الكبار أن اليافعين، بعمر 16 الى 18 عاماً، يختارون قصص المغامرات البوليسية والتشويق والتي تتضمن حبكة يتم البحث فيها عن حقيقة ما. ويستطرد شرتوني بالقول: 90 في المئة من قصصي موجودة في عيادة الإختصاصيين النفسيين لأنها تحكي عن اضطرابات ما وتعرض الحلول لها ببساطة ومن دون “تفلسف”.

 

هل هذا يعني أن قصته “عائلة جديدة” مع دار أصالة جرى اختيارها من “إيبي” على قائمة الشرف الدولية لكتب الأطفال لسنة 2020 وفق هذه المقاييس؟ يجيب: القصة تتكلم عن طفل يخجل من عائلته لكن، شيئاً فشيئاً، يكتشف خلال مسار القصة أهمية العائلة. وكم من الأطفال الذين يرتادون العيادات النفسية يخجلون، لسببٍ أو لآخر، من عائلاتهم. القصة تساعدهم على التعبير بسهولة أكثر وعلى إيجاد أجوبة عن أسئلة لا يتجرأون على طرحها.

 

قصص الأطفال مهمة، ملهمة، لكن هل يقرأ الأطفال القصص؟

 

 

الأطفال يحبذون اللعب على الـ”آيباد” والهاتف الخلوي عوض الإمساك بقصة والمطالعة. صحيح أن الألعاب الإلكترونية قادرة أن تعزز هي أيضاً بعض الخيال في عقل الطفل لكن يفترض ألاّ يجلس طفل في الخامسة من عمره أو في السادسة أكثر من خمس دقائق يومياً مع هاتف خلوي. والحلّ؟ فليقرأ الأهالي القصص لهؤلاء الأطفال.

 

هل تتذكرون آخر مرة جلستم فيها قرب أطفالكم، وهم في أسرّتهم، تقرأون لهم قصصاً تثير الخيال؟ وهل تتذكرون متى مررتم بالمكتبة، في ذاك الحيّ الراقي الجميل، وطلبتم من طفلكم اختيار قصة يود قراءتها قبيل النوم؟ هذه الفترة الزمنية يفترض أن تكون وسيلة لتعزيز العلاقة بين الأب وأطفاله. فليقرأ الآباء القصص لأطفالهم. فليطرحوا عليهم الأسئلة، بأسلوب مشوّق، حول القصة. وليختر الأهالي القصة التي تبعث فيهم هم أيضاً السؤال والحشرية والخيال. فإذا لم تجذب القصة الأب أو الأم فلن تجذب الطفل. وليقرأ الأهالي القصة بحيوية، فليرفعوا أصواتهم حيناً وليخفضوها حيناً آخر. في كل حال، ثبُت أن الأطفال الذين يقرأون القصص أو يصغون لمن يقرأ عليهم القصص يتعلمون مرادفات ويصبحون قادرين على استخدام استعارات تُدهش أحياناً.

 

القراءة مثل التنفس، مثل خفقات القلب، مثل النبض، مثل الروح والجسد والحياة والبقاء. فكيف إذا كان الهدف منها كلِها التأسيس لطفلٍ يُفكر ويكبر ويستنتج ويتخيّل ويُحلل ويأمل ويتمنى ويطمح؟

 

الطفل يُسقط أحداث القصة على نفسه ويُصبح، في أحيانٍ كثيرة، بطلها، لذا يفترض أن تُكتب بدقة متناهية وببساطة شديدة. وحين تلتقي البساطة والمهارة ينجذب الطفل الى قصته. ويتحدث الدكتور شرتوني عن: هفوات تقع فيها بعض القصص، هي هفوات غير مقصودة، كأن يقال للطفل أن اللعب بأزرار الكهرباء أمر خطير ويُظهرون صورة طفل يضع عود ثقاب في الزر الكهربائي. هذا خطير لأن الولد يُحبذ التجريب وهذا قد يؤذيه.

 

القصة ليست قصاصاً. فلنقرأ للأطفال ولنطلب من الأطفال أن يُخبرونا هم أيضاً قصصاً وحكايات. جمعية “أنا أقرأ” تعمل مع اليونيسيف على تعزيز القراءة بين الأطفال في المدارس. نراقب معلمة من الجمعية تقرأ قصة “زيتون الطيبة” على الأطفال فتأخذهم في رحلة ساحرة بين البساتين والأشجار: “كان عند العمّ ياسر بستان واسع له سور فيه أشجار جميلة وثمار زكية وأزهار ملونة زاهية والطيور تملأ الحقل زقزقة”. تكرجُ تفاصيل من تفاصيل الحكاية فيسرح الأطفال في خيالهم بين الأزهار والعصافير والأشجار وينتقلون من عالمٍ حاضرٍ تطغى فيه، في أحيانٍ كثيرة، محطات العوز والظلم والوهن الى عالمٍ زاه جميل. وما إن تنتهي القصة حتى تكرج الأسئلة مترافقة مع تحليل واستنتاج. هكذا تُروى القصص، قصة بعد قصة، بين أطفال أعمارهم بين أربع سنوات وأربع عشرة سنة يُصنفون إجتماعياً في حال عوز. وهكذا تُفتح كوّة معرفة وتتفتح قدرات صغار.

 

كثيرون يحثون الأطفال على القراءة. العالم يدرك أن لا مكان لبؤسٍ بين الأطفال في قواميسِ من يثقون بقوةِ التعليم وبقدرةِ القراءة الموجهة على خلقِ طفلٍ سعيد وإنسان جديد معاصر، غير أننا، في لبنان، ما زلنا نتعثر في أشياء كثيرة، حتى في كوب مياه، فهل نتكلم عن المستحيل حين نحكي عن أهمية قراءة القصص، خصوصاً في هذه الفترة التي ينحجر فيها اللبنانيون في البيوت؟ طبعا لا، لأن قراءة القصة الجيدة ستأخذ هؤلاء الصغار الى عوالم إفتراضية نحن في أمس الحاجة إليها. فلنجعلهم يحلمون.