Site icon IMLebanon

الانتخابات الحقيقية تحصل في الغالب بعد الانتخابات!

 

مع صدور نتائج العملية الانتخابية، بحسابات توسعية وتراجعية، انما من دون انقلاب المعادلة في أي طائفة أو منطقة، يدخل البلد في مرحلة غير سهلة من جهة، ودقيقة للغاية من جهة اخرى. هي مرحلة التئام البرلمان الجديد وانتخابه رئيساً له ونائباً للرئيس، ثم الاستشارات النيابية الملزمة ولحظة التكليف ثم “مشوار” التأليف.

 

فإذا قفزنا على المتطلبات العملية الاولى، وذهبنا رأسا الى مسألة “التأليف” لوجدنا، منذ اذاعة النتائج، ان اسلوب وصف كل فريق لما حققه خلال الاستحقاق هو في جانب اساسي منه “تفاوض استباقي” على تأليف الحكومة العتيدة.

 

هذا “التفاوض الاستباقي” يضفي بحد ذاته مناخاً من الصعوبة على عملية اجتراح حكومة جديدة، لكن ما يعترض سهولة التشكيل ليس “السقوف العالية” المحكومة بالليونة بعد ذلك، اذا ما وافقها الظرف، وإنما التحدي الاساسي في مكان آخر، وفي مكان محدد: التسوية القائمة في البلد منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، وشروط وشكل تجددها في ضوء الحدث الانتخابي ونتائجه من جهة، ومغادرة فترة الحماوة الانتخابية من جهة ثانية.

 

فالحكومة، حتى في شروط النظام اللبناني الطوائفي العشوائي بحجة الميثاقية، لا يمكن ان تستقيم كمجرد برلمان مصغر، وتماسكها في حده الادنى مرتبط بالضرورة برؤية، رؤية مرتبطة برصد مسار التسوية، ما ينقصه وما يحتاجه ليستكمل، ما يجعله اكثر ارتباطاً بالقالب المؤسساتي والدستوري، وأكثر قدرة على تحسس مروحة من “الرسائل الجوفية” المختلفة التي وجهها الناخبون المقترعون، والناخبون العازفون، كل على طريقته، الى القوى المشاركة تقليديا وبشكل مزمن في الحكومات المتعاقبة.

 

هذا الاستشراف لمآل التسوية، الرئاسية والحكومية، ويفترض الآن، البرلمانية، في محطتها الاولى، ومن ثم الحكومية مجدداً، بما تعلق بحكومة ما بعد الانتخابات، انما يندرج في لحظة مفترق دولي اقليمي عنوانها الابرز انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق المجموعة الدولية مع ايران حول برنامجها النووي، وقرع طبول الحرب في اتجاهات مختلفة.

 

فالتسوية، مسيرة عام ونصف العام حتى الآن، تنقسم بين مرحلة ما قبل التوصل إلى تفاهم حول وقف الحملات التي تُشنّ انطلاقاً من لبنان وتستهدف دول الخليج، ما اصطلح على تسميته “النأي بالنفس”، ثم مرحلة ما بعد تفاهم النأي هذا، الذي اظهر من ناحية تبدلاً معقولاً على مستوى الخطاب ووقف الحملات، او بالاحرى انحسارها، لكنه اظهر ايضاً هشاشة معينة، وقلقاً شبه يومي من احتمال الرجعة الى الخلف، والأهم من كل هذا، حاجة الى صيانة متواصلة لنأي لا سبيل الى صيانة منهجية له الا بإعادة التداول البنّاء والصريح في موضوعات الخلاف الاساسية بين اللبنانيين.

 

واليوم، كلما اقتربنا من مشوار التأليف، كلما ظهر ان المؤجّل طوال الموسم الانتخابي، من نقاش صريح في شروط استكمال وتحسين وتقويم التسوية، وتمكين المسارات المؤسساتية داخلياً بشكل عام، وشروط تشكيل اطار سليم ونافع لوضع قضايا الخلاف الاهلي المنفعلة بالاستقطابات الاقليمية على الطاولة مجدداً، هو مؤجل مستحق حالياً، بحيث ان “الانتخابات الحقيقية” هي التي تتم الآن، بعد الانتخابات، لان عملية تشكيل حكومة جديدة ليست ولا يمكن ان تكون مجرد تلخيص لنتائج الانتخابات، بل هي اعادة صياغة صورة اجمالية لهذه النتائج، وفقاً لما بمستطاعه السير قدماً في التسوية الداخلية في حدودها الدنيا، ووفقاً لما بمستطاعه اعطاء هذه التسوية الداخلية “المينيماليست” شيئاً من المناعة، بإزاء التقلبات الاقليمية والدولية المنتظرة، بعد التصلّب الاخير على الجبهة الاميركية ـ الايرانية.