تغيّرت كثيراً معالم الاحياء والشوارع في المدينة، فالأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا ادتا الى هجرة المؤسسات والمكاتب وإقفال العديد من المحلات التجارية والمطاعم والمصارف لا سيما في العاصمة وجوارها… فالاحياء باتت شبه فارغة والمناطق التي كانت بالأمس تعجّ بالحياة باتت اليوم هادئة اكثر من اللزوم.
وفق شركة «رامكو» العقارية وصل معدل الشغور (أي حصة المباني الفارغة) إلى مستويات قياسية بسبب انخفاض الطلب، إذ ان معظم الشركات، وفي محاولة منها للحد من نفقاتها، لجأت الى خفض عدد فروعها في العاصمة كما في المناطق، وتقليص انتشارها خصوصاً القطاع المصرفي. فقد عمدت غالبية المصارف الى اغلاق عدد كبير من فروعها ومكاتبها بين ليلة وضحاها بعدما كانت تشغل الاف الامتار في العاصمة، منها على سبيل المثال مبنى بنك عوده وسط المدينة، وقد ولّد هذا الشغور مخزونا كبيرا للتأجير.
في هذا السياق، يقول الخبير العقاري رجا مكارم لـ»الجمهورية» ان مبنى بمساحة 50 مترا مربعا في شارع المقدسي في الحمرا كان ايجاره في عام 2019 نحو 22 ألف دولار سنويا بينما يُعرض الآن بسعر 10000 دولار سنويا، وأفضل عرض حصل عليه مالكه حتى الآن هو 8000 دولار في السنة.
ولفت الى ان الايجارات التجارية تنقسم الى قسمين: ايجار المكاتب والمؤسسات وايجار المحلات. وكشف ان ارتفاع عمليات الإغلاق ادى إلى انخفاض إيجارات المكاتب الى ما بين 50% وحتى 60% مقارنة مع العام 2019. والملاحظ ان الشركات باتت تتجه نحو مناطق تكون فيها الكلفة التأجيرية أقل، والبعض حصل على عقود تأجيرية منخفضة الكلفة ولم يشغلها بعد ليحتفظ بهذه الاسعار الى مرحلة لاحقة.
أما ايجار المحلات التجارية فتراجع بنسبة تتراوح ما بين 20 و 30% مقارنة مع العام 2019 والطلب قليل بنتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
مشاريع عقارية
من جهة أخرى، اعتبر مكارم انه من الصعب اليوم، لا بل من المستحيل الانطلاق بمشاريع عقارية جديدة، عازيا ذلك الى اختفاء بعض العوامل التي كانت تشجع المطور على البناء، فاليوم عدا عن ان اي مشروع تطوير عقاري يحتاج الى fresh money، ما عاد ممكنا الاستعانة بالتمويل الذي يتأتى عادة من البيع المسبق على الخريطة لأن الشراة يطالبون بالحصول على سند الملكية قبل الدفع النقدي. ناهيك عن تعذّر الحصول على قرض مصرفي لتمويل هكذا مشاريع. وبالتالي، يمكن القول ان اجواء العمل ما عادت ملائمة للمطور الذي بات مجبرا على تأمين النقدي لشراء الارض ثم للبناء، بينما في السابق كان يؤمّن ثلث المبلغ من المصرف والثلث الثاني من البيع على الخريطة ويؤمّن المبلغ المتبقي من رأسماله. وأشار الى ان الاستثمار في القطاع راهناً بات ينطوي على الكثير من المخاطر.
وردا على سؤال، أكد مكارم ان الشراء بواسطة «اللولار» انتهى، وان مخزون الشقق الذي كان متوفرا ابان بدء الأزمة عام 2019 بيع بالكامل بواسطة الشيكات المصرفية التي مكّنت المطورين من تسديد ديونهم والتزاماتهم تجاه المصارف. وعليه، انتقلت ملكية ما بين 2000 الى 3000 شقة في السوق الى صغار المستثمرين الذين بِتملّكهم لشقتين او ثلاث حَموا انفسهم من تدهور قيمة العملة، ويعرض هؤلاء شققهم للايجار اليوم ليؤمنوا مردوداً مالياً وسنداً لهم في هذه الضائقة الاقتصادية. ولفت الى ان طالبي الـ fresh dollar كبدل ايجار قلائل وهم في غالبيتهم من اللبنانيين الذين يدفعون بالعملة الصعبة، أما الاجانب في لبنان فيتراوح عددهم ما بين 100 و 200 اجنبي على 3000 شقة معروضة للايجار، ويمكن الاستنتاج من ذلك انه سيظل لدينا مخزون كبير من الشقق المعروضة للايجار انما من دون مستأجرين.
انطلاقاً من ذلك، نرى ان هذا المعروض الكبير من الشقق للايجار والذي يفوق الطلب سيضطر اصحاب الشقق الذين يحتاجون الى الاموال النقدية الى عرضها للبيع، لذا نتوقع ان يرتفع الطلب على بيع الشقق في المرحلة المقبلة بعملة الـ fresh money ما سيطرح مشكلة بالاسعار. وشرح مكارم ان الاسعار التي يطمح اليها البائع اليوم هي اقل بـ 40 الى 50% من قيمة ما كانت عليه الشقة عام 2019 بالدولار الفعلي ورغم ذلك لا يزال يرى الشاري ان هذا الانخفاض قليل مقارنة مع بقية اسعار السلع والخدمات التي تراجعت ما بين 70% الى 85%، فالشاري يطالب بمزيد من الخفوضات متسلحاً بالنقدي الذي يملكه، والبائع يرفض ان يخفّض اسعار الشقق اكثر من نصف ثمنها الا اذا كان بحاجة ماسة لتسييل شقته الى نقدي وبالنتيجة لا يشهد السوق اي عمليات بيع ملحوظة، فالمعروض من الشقق اكبر بكثير من الطلب، جازما ان البيوعات اليوم هي حصراً لمن يملك الـfresh money. وعن بورصة اسعار الشقق، رأى مكارم انها تميل نحو الانخفاض في المرحلة المقبلة لأنّ العرض اكبر من الطلب.