في خضم الانهيار الاقتصادي المُتسارع ومع احتجاز المصارف لأموال المودعين، يعمد بعض اللبنانيين إلى تحرير أموالهم من خلال اللجوء إلى شراء عقارات مقابل الدفع عبر شيكات مصرفية. فكيف تتم عمليّة البيع والشراء؟ وهل من تلاعب في أسعار العقارات؟ رئيس الاتحاد العقاري الدولي الأستاذ وليد موسى نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان، يفنّد مصلحة البائع والشاري والمصرف، ويتحدّث عن مستقبل القطاع والتغيّرات المستجدّة.
١ – هل حرّكت الأزمة المالية سوق العقارات من خلال سعي المواطنين اللبنانيين لسحب ودائعهم من المصارف عبر شيكات مصرفية؟
«إنّ الأزمة المصرفية والتهويل باتّخاذ إجراءات مالية على إيداعات اللبنانيين أثّرت إيجاباً على القطاع العقاري، فلقد نشطت حركة السوق العقارية منذ انطلاقة الثورة في ١٧ تشرين الأول وحتّى اليوم. المطوّرون العقاريون المستعدّون للبيع وفق شيكات مصرفية نوعان؛ الأوّل هو المطوّر المديون، وبالتالي إنّ بيع عقاراته عبر شيكات مصرفية يساعده على تسديد ديونه المتراكمة إلى المصارف، لا سيما أنّه لم يتمكّن من البيع والتسديد طيلة السنوات الماضية ويجد أنّ الوقت قد حان ليتخلّص من أعباء ديونه. النوع الثاني هم الأشخاص الذين يستفيدون من رفع سعر العقار بحجّة أنّ الإجراءات التي قد تتّخذ من قبل المصارف، مثل الهيركات، ستطال أموالهم، فإن كانت قيمة العقار تساوي مئة دولار للمتر فإنه يعرضها ويبيعها بسعر ١٣٠ أو ١٤٠ دولاراً للمتر الواحد. وأنا لا أنصح الشاري بالقبول بهذه الحالة، فمن يريد المحافظة على قيمة أمواله والهروب من الهيركات لا يجدر به التضحية بها في شراء عقار، بل عليه أن يدفع السعر المناسب».
٢ – عمليّاً ما هي انعكاسات أزمة كورونا على القطاع العقاري، وكيف تتم عملية الشراء والبيع في ظل ظروف التعبئة العامة؟
«لا شك في أنّ إقفال الدوائر العامّة والدوائر العقارية أثّرت سلباً على عمليّة الشراء والبيع في بادئ الأمر، فكان الحل بأن يقصد الشّاري والبائع كاتب العدل ومعهما سند الملكيّة لإبرام عقد بيع ممسوح حيث يتقاضى البائع الشيك المصرفي ويتعهّد الشاري بتسجيل العقار في الدوائر العقارية عند رفع حالة التعبئة».
٣ – عمليّة البيع والتعامل القائم بين الزبون والمطوّر العقاري عبر شيك مصرفي بَدل الكاش، كيف تنعكس على أسعار العقارات؟ وما هي نتائجها على القطاع في مرحلة لاحقة؟
«قبل شهر تشرين الثاني ٢٠١٩ عانى قطاع العقارات فترة ركود استمرّت لـ4 سنوات وأدّت إلى انخفاض في أسعار العقارات، لكن بعد الأزمة الراهنة وعمليّات البيع عبر شيكات مصرفية، ارتفعت الأسعار واشتَدّت. ليس لكل صاحب عقار اليوم الرغبة بالبيع، لذا فإنّ العقارات المعروضة للبيع مقابل شيك مصرفي باتت محدودة وغير كافية لتلبية الطلب المتزايد من قبل الأشخاص الذين يَسعون الى تحرير أموالهم من المصارف وهو ليس بخيار خاطئ. أمّا مستقبلاً، فإنّ القطاع العقاري مهدّد بالخطر بعد أن تقع الواقعة الاقتصادية في لبنان، ونحن بالطّبع غير مقبلين على ارتفاع في الأسعار بل ستنخفض الأسعار مجدّداً. والاستثمار الحاصل اليوم هو استثمار على المدى البعيد، ومن يقوم بتهريب وديعته من المصرف لا ينتظر استرجاعها بقيمتها بعد سنة أو سنتين بل هو «سيميت» أمواله على المدى البعيد ويحفظ جنى العمر لأولاده».
٤ – سحب شيك مصرفي من قبل المودع وإيداعه في المصرف من قبل المطوّر العقاري، هل ينعكس سلباً أم إيجاباً على المصرف الذي يعاني تراجعاً في قيمة الودائع؟
«نحن غير قادرين على تحديد مصلحة المصارف. بعض المصارف متعاونة مع طلب العميل سحب وديعته لشراء عقار أو حتّى الطلب منها تسكير الحساب، فهي تعتبر أنّ هذا الأمر يخفّف عنها المصاريف كونها عاجزة عن تشغيل الأموال، وبعض المصارف الأخرى متمسّكة بالودائع وتعرقل عمليّة سحبها من قبل المودع. لذا، فلكل مصرف سياسة مختلفة عن غيره. لكن لا شكّ أنّ المصرف، وفي حال تمكّن من بيع عقار يملكه، فإنه يقلّل من قيمة الديون غير المستحقّة ويريح ميزانيّته العموميّة».
٥ – ما هو مستقبل السوق العقارية في لبنان؟
«مستقبل القطاع سيكون مختلفاً، مع انعدام إمكانية تأمين دعم للقروض أو حتّى قروض سكنيّة نتيجة التردّي الاقتصادي. فمن ناحية نحن نتوقّع استنهاض سياسات تحفيزية كبديل عن مؤسسة الاسكان والقروض المدعومة، لبناء منازل بأسعار معقولة تختلف عن سابقاتها بطريقة البناء ومواقعها، بهدف تأمين وحدات سكنية لذوي الحد الأدنى من الأجور. ومن ناحية ثانية، نتوقّع تطوّراً في كل ما له علاقة بالصناعة والخدمات اللوجستية ومستودعات التخزين لأنّ لبنان قادم على مرحلة سيضطر فيها أن يصنّع كل ما هو بحاجة لاستهلاكه، ما يؤدي الى تزايد الاستثمارات في القطاع الصناعي. ونحن نلتمس هذا الأمر من خلال تزايد الطلب على مصانع من قبل البعض سيتمكّنون من تأجيرها في المستقبل القريب.