IMLebanon

حين يصبح العقار ملاذاً تكون “أرضي للبيع”!

 

آخر القطاعات التي لا تزال تعمل

 

يكثرُ الشباب الذين يُمسكون في هذه الأيام بآي باد ويجولون بين مشاريع “شارين” العقارات و”بائعين” لها. هؤلاء هم سماسرة، في اللغة الشعبية، وفي لغة الشباب real estate consultant وبين اللغتين يظهرُ للعيان صورة مختلفة لسوق عقاري لبناني يهرب اصحابه من شبح اللحظة. فماذا يدور الآن عقارياً؟ من هم الشارون ومن هم الباعة؟ وأي سوق عقاري جديد يتأسس في لبنان الذاهب الى جهنم الحمراء؟

شربل، شاب لبناني يحاول أن يصمد في هذه اللحظات فوجد نفسه، من حيث لا يدري، وهو الذي تخصص في جامعات باريس في عالم الأعمال، سمساراً كما أبو جاك، أيام زمان، وكما أبو طوني وأبو محمد وأبو وائل… شربل لا يحب ان نسميه “السمسار” بل استشاري عقارات. هاتفه يظل يرن على وقع الساعة والمتصلون يسألونه النصح فيعطيهم نصائح قد تنجيهم من الواقع المالي المرّ. هو يعمل حالياً مع شركة عقارية كل زبائنها يريدون تهريب أموالهم التي قبضت عليها المصارف اللبنانية. وشغله كان في تموز”عال العال”. أتى آب مع ويلاته الإضافية فتسمر مجدداً في مكانه، ومن أسبوعين عاد ليشتغل وسيطاً من جديد بين متألمين. هو يُمسك منطقة كليمنصو. فهل فيها حركة جاذبة عقارياً؟

 

الثابت له أن فيها، كما في سواها “لقطات”. هو يجول في المنطقة ويسأل: هل هناك من يريد أن يبيع أو يشتري؟ ويُدون كل التفاصيل. هناك زبائن يريدون ان يدفعوا شيكاً مصرفياً وهناك من يملكون بعض “الكاش” ومن يملك الكاش في هذه الأيام يمتلك القوة. فهناك من يريدون ان يبيعوا و”يكسروا” أسعارهم 40 و 50 في المئة كي يحصلوا على “كاش” وهناك من يغتنمون الفرصة فيدفعون بعض “الكاش” ويستفيدون بالحصول على عقار بنصف سعره. وهو، إذا نجحت العملية، يقبض 2,5 في المئة من الشاري و2,5 في المئة من البائع بموجب شيك أيضاً، ويبيع الشيكات التي حصل عليها بثلاثة آلاف ليرة للدولار، لأنه غير قادر ان يودعها في مصرف والحصول على قيمتها بسعر المنصة. كل شيء قد تغير في لبنان في عام من السماء الى الأرض. لكن هناك من هم مثل شربل يحاولون ان يتماشوا مع الواقع في آخر القطاعات التي لا تزال تعمل.

 

في الأرقام، شهد سوق العقارات في لبنان بين كانون الثاني الماضي وحزيران، على عكس باقي القطاعات الاقتصادية، نشاطاً قوياً بلغ 3,7 مليارات دولار. فهل نفرح ونهلل؟

 

الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة يقول: “قبل الرابع من آب كان اللبناني خائف لا أمل لديه بشيء ولا ثقة بأحد وأتى الرابع من آب ليكسر كل شيء “وما خلّا وما بقّا”، وطبيعي ان يظهر في كل المراحل من يحاول ان يتعامل مع الوقائع الجديدة وهذا ما حدث ويحدث في لبنان. ثمة إغراءات تظهر دائماً، لكن ما حدث في السوق العقاري هو أمر غير طبيعي، وهناك لبنانيون كثر يعتبرون أن الآن هو أوان تأمين سبل البقاء حتى ولو تخلوا عن الأرض والعقار، ومن سيتمكن من اللبنانيين من البيع سيبيع بغض النظر عن كل ما يسمع من كلام تحت عنوان “أرضي مش للبيع” والبطولات الوهمية والمشاعر الوطنية والدينية. اللبناني يُفكر الآن، كما منذ أشهر، بأن يبيع لكنه، لو تأمنت له سبل البقاء والحياة قد يعود ويشتري. لكن من هم الشارون؟ يجيب: “هناك نحو 10 في المئة يملكون ملايين الملايين. ثمة أناس أغنياء لكن ليسوا بالضرورة سارقين يغتنمون هذه الظروف أيضاً فيحصلون على عقار ثمنه الواقعي 500 ألف دولار مثلا بمئتي ألف. هذا طبيعي. هناك دائماً من يشتري في مثل هذه الظروف ويستفيد. ولا يجب تخوين من يشتري ومن يبيع. فالمرحلة حساسة وكل طرف يفعل ما يراه مناسباً. فنحن في اقتصاد حرّ”.

 

ما رأي رئيس الاتحاد العقاري الدولي ونقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان وليد موسى؟

 

يراقب موسى حال القطاع بدقة ويقول: “بعد الرابع من آب تباطأت الحركة العقارية في المناطق المتضررة وأدت الى تزايد الطلب التأجيري على المكاتب والبيوت في المناطق المحاذية لا سيما في المكلس وحرش تابت وسن الفيل ومنطقة النهر، في حين تستمر الحركة العقارية، حركة البيع والشراء، وإن بوتيرة أقل، في المناطق الأخرى وستستمر طالما لا وضوح سياسي ولا آفاق حلحلة اقتصادية ومالية، واللبناني، في كل لبنان، خائف على نفسه وماله”.

 

 

جهنم والعقار

 

يلفت نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين الى أنه ليس أمام اللبناني الآن إلا جهنم والعقار، فلماذا نستغرب أن يبيع ويشتري حالياً، وستظل تشتد هذه الحركة طالما اعترفت الطبقة الحاكمة أن المستقبل قد يكون مخيفاً. ويشرح “نحن في سوق عقاري “غريب عجيب” وكل يوم يختلف عن سابقه، فلا استقرار في الأسعار ولا في شكل الطلب ونسبته ووجهته. السوق في حال فوضى”. لكن ماذا عنه؟ هل ينصح الزبائن الآن في الشراء؟ هل يعدّ الإستثمار في العقار مربحاً حالياً أم أن الوقت ليس للكلام عن الربح بقدر تأمين المال للبقاء أحياء وإخراج الودائع من المصارف؟ يجيب: “أنا دائماً مع شراء العقار، على أن يوزع الزبون ماله بين عقار وسيولة، بهذا يقسم الخطر”. نعود لنسأل موسى، من يشتري الآن؟ يجيب “90 في المئة من الشارين هم من المودعين في المصارف اللبنانية، وبعضهم من الأجانب الذين وثقوا بالقطاع المصرفي وأودعوا أموالهم في المصارف. يشترون هرباً من المخاطر المحدقة الموعودة. صحيح أن الهلع قد خفّ عما كان قبل أربعة وخمسة أشهر لكنه يستمر موجوداً”.

 

السماسرة كثر والشركات العقارية زادت كثيرا منها 150 شركة وعضواً فقط لا غير في نقابة الوسطاء والإستشاريين العقاريين في لبنان، وفي هذا الإطار يقول النقيب: “يهم جداً أن يتأكد الشاري والبائع من هوية “الوسيط العقاري” والإنتباه ثم الإنتباه ثم الإنتباه، لأن عدم الإحتراف يجرّ الى غشّ. فلا تدعوا هواة يتحكمون بأموالكم”.

 

السوق العقاري مخيف الآن في لبنان وتحوم حوله الغيوم على الرغم من النشاط العقاري الملحوظ لكن ليس كل نشاط دليل نعيم وحيوية. ثمة هواة يتحكمون بالمال في ظل خوف الناس، والخوف، كما قال موسى، يتسبب بحالة من اللاوعي واللاوعي يفقدنا السيطرة على قراراتنا. وهذا خطير جداً.

 

ما رأي لاعب كرة السلة جاد بيطار الذي قرر قبل أربعة أعوام الدخول في لعبة السوق العقاري في لبنان ونجح في رمي سلال محكمة فيه والتميّز؟

 

جاد وقّع في لعبة كرة السلة مع نادي الشانفيل وهو يشهد يومياً توقيع عقود عقارية بين شارٍ وبائع ويقول “هناك طلبات كثيرة نشهد على توقيعها حالياً لكن لا أحد يطلب رخَصاً. ثمة صفر رخَص. وهذا دليل أن كل همّ العالم هو إخراج أموالهم من البنوك من خلال شراء العقارات بشيكات مصرفية لأن شراء الذهب والمجوهرات و”ستوكات” البضائع يحتاج الى نقد، الى “كاش”. ويستطرد “بما أن لا أحد يهتم برخَص البناء فهذا معناه أن الأسعار سترتفع”.

 

مضى على وجود جاد بيطار في هذا المجال العقاري نحو عشرة أعوام، وعمر شركته أربعة، وتضم 110 شباب وشابات، وهي تغطي كل لبنان. لكن ماذا تغيّر في توقعات بيطار في عام؟ ماذا تغيّر في أحلامه في مجال العمل العقاري في عشرة أعوام؟ يجيب: “على المستوى الشخصي لم يتغير أي شيء. كنا نبيع ولا نزال. كان هناك من قبل إسكان وكان من يملك رصيد 5000 دولار ويتقاضى ألفين في الشهر يمكنه شراء منزل. تغيرت كلياً هذه المعادلة وأصبحت كل العمليات حكراً على مالكي الأرصدة المصرفية الخائفين، وهناك أصحاب 135 مليار دولار موجودات مصرفية يبحثون عن سبل ووسائل يُخرجونها والعقار وسيلة أولى”.

سقوط الكرة في السلة يرفع هورمون السعادة “السيروتونين” في الجسم، وإنهاء عقد عقاري بنجاح يبعث أيضاً على الفرح لكن أيهما أقوى الى بيطار؟ يجيب: “العقارات أكثر إستقراراً لأن أي “ضربة كف” تعطل كرة السلة وتجعلنا نجلس في البيت في حين أن النشاط العقاري يبقى ديناميكياً في الأزمات”. نعود الى نقيب الوسطاء والإستشاريين العقاريين لنسأله عن أسعار العقارات الآن: فهل ارتفعت؟ يجيب: “إرتفع سعر المتر العقاري 40 في المئة تقريباً إذا كان الشاري يريد أن يدفع شيكاً مصرفياً، وانخفض 60 في المئة إذا دفع نقداً. بمعنى إذا كان سعر الشقة مليون دولار والشاري يملك شيكاً مصرفياً يريد أن يتخلص منه يدفع ثمنها مليون و300 ألف أو مليون و400 ألف، أما إذا كان يملك “كاش” فقد يشتريها بسعر 400 ألف دولار”.

 

من يملك “كاش” في هذا الزمن اللبناني الحالك يربح، واللبناني، الذي قرر أن يتجذر في هذه الأرض، هو الخاسر الأول دائماً، أما المغترب الذي وضع ماله في الخارج فيمكنه أن يكون المستفيد الأول. في كل حال، صحيح أن القطاع العقاري يشهد نشاطاً لكنه نشاط غير سليم البتة. ويقول وليد موسى: “إرتفاع العمليات العقارية لا يعني سلامة القطاع بل بالعكس ما نشهده اليوم، في ظل أزمة عدم البناء وتلاعب الدولار واختلاف القدرة الشرائية، نذير أزمة كبيرة نتجه إليها. كل هذا في ظل غياب الدولة الكلي وعدم حمايتها المستهلك الذي اشترى شقة على “العضم” وقال له المطور العقاري: خذ ما دفعت، بالعملة اللبنانية، فنحن ما عدنا قادرين على البناء. من يحمي مثل هؤلاء؟ نبت الشعر على ألسنتنا ونحن نطالب بوزارة إسكان وضمان حق الزبون المستهلك. لكن، للأسف، لا رؤية”.

 

 

القطاع العقاري ملاذ في الأوقات الصعبة لكنه، في وضع صعب أيضاً… نترك الشركات العقارية “تنغل” في السوق. نترك ايلي رستم وجان عبد النور ومازن منيمنة وهشام حلو وجاد بيطار… لاعبي كرة السلة يُسقطون “طابات” ناجحة في هذا القطاع العقاري… ونترك وليد موسى يراقب… ونرسم علامة استفهام تلي سؤالاً لم ولن يجد أي جواب الآن: أي قطاع عقاري نتوقعه بعد عام وعامين؟