عاد العمل الى «العقاريات» بعد مرحلة شد حبال طويلة بين السلطة والموظفين الذين أدركوا حاجة الدولة إليهم، فوضعوا شروطاً ونالوا على الأرجح ضمانات بإقفال الملف
من أجل إعادة فتح الدوائر العقارية، خضعت الحكومة لموظفي هذه الدوائر المتهمين بالفساد عبر إعطائهم ضمانات، على ما يبدو، للعودة إلى الأماكن نفسها التي اتهموا بتنفيذ ارتكاباتهم فيها، فيما لم يشهد الملف أيّ تطور منذ صدور القرار الظني في آذار 2023 وتحويله الى الهيئة الاتهامية. كل المؤشرات تفيد بأن ملف فساد العقاريات يتجه إلى «التعليق»، لتعود دورة العمل مجدداً بعد إقفالٍ دام لمدة عامٍ ونصف عام، برئاسة أمناء السجلات أنفسهم الذين دارت حولهم الشبهات الأولى بقضايا الفساد وفق القرار الظني.هكذا، استأنفت جميع الدوائر العقارية في محافظة جبل لبنان العمل الأسبوع الماضي وباشر الموظفون إنجاز عشرات آلاف المعاملات المتراكمة في سجلات بعبدا والشوف وعاليه والمتن وكسروان وجبيل، على أن تنشر أمانات السجل جدولاً أسبوعياً على الموقع الإلكتروني لمديرية الشؤون العقارية، يتضمّن أسماء أصحاب سندات الملكية الجاهزة. ويمكن لأصحاب العلاقة أو وكلائهم القانونيين، تسلّمها كل يوم جمعة. وسينحصر العمل في الوقت الراهن على إنجاز البريد السابق، في ظلّ توقعات بالانتهاء من كل المعاملات خلال ثلاثة أشهر، تفتح بعدها السجلات أبوابها لاستقبال الطلبات الجديدة.
وكانت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي قد نفّذت في تشرين الثاني 2022 حملة توقيفات طاولت حوالي ثلثَي موظفي العقاريات البالغ عددهم 124 بتهم تقاضي رشى وإثراء غير مشروع. وفيما توارى 68 موظفاً عن الأنظار، وصدرت بحق 14 منهم مذكرات غيابية، خضع 54 آخرون للتحقيق القضائي، وصدر في آذار 2023 القرار الظني، وجرى إخلاء سبيل الموقوفين لقاء كفالاتٍ مالية مع منعهم من مزاولة العمل لأربعة أشهر، وسلك الملف مساره القضائي نحو الهيئة الاتهامية، وكان يفترض بعدها تحويله الى محكمة الجنايات للبتّ به لجهة تثبيت الجرم على المرتكب أو تبرئة متهمين، وهو ما لم يحصل. ومنذ ذلك الحين، بذلت وزارة المالية جهوداً لإعادة الموظفين الى العمل، إلا أن هؤلاء طالبوا بضمانات بعدم توقيفهم مجدداً. لذلك، لجأت «المالية»، وفق معلومات «الأخبار»، إلى تشكيل فريق عمل ضمّ 40 من موظفيها بدل الموظّفين الذين رفضوا العودة، فيما التحق بالعمل حوالي 80 من موظفي «العقارية» الأصلاء، معظمهم مدّعى عليهم ومخلى سبيلهم بكفالات، ولا يزال نحو 45 موظفاً متوارين عن الأنظار.
عادت دورة العمل برئاسة أمناء السجلات أنفسهم الذين صدر بحقهم قرار ظني بالتورط في الفساد
وعلمت «الأخبار» أن وزير المالية يوسف الخليل أصدر أخيراً مذكرة بإعادة أمينة السجل العقاري في بعبدا نايفة شبو الى عملها رئيسة للسجل، علماً أنها بين المتهمين الرئيسيين في ملفات الفساد والإثراء غير المشروع. واللافت أن الخليل كان قد أوكل إلى شبو، في 6 كانون الثاني 2023، رئاسة الدائرة القانونية في مديرية الشؤون العقارية في الوزارة بالتكليف. كذلك عاد أمين السجل العقاري في الشوف هيثم طربيه، وهو من المتهمين الأساسيين أيضاً، الى مزاولة عمله (بُرّئ في ملف فتح سجل الشوف خارج الدوام الرسمي). والحجة في الحالتين أنه لم تصدر أحكام قضائية نهائية بحق طربيه وشبو وبقية الموظفين المتهمين، لتتم إعادتهم الى مراكز عمل فيها احتكاك مباشر مع المواطنين والسماسرة.
وتوقفت مصادر متابعة عند «تأخر الملف لدى الاتهامية، إذ لا يزال ينتظره طريق طويل في محكمة الجنايات التي يفترض تحويله إليها، رغم أنه من النوع العاجل الذي يترتّب عليه إقفال مرفق عام وحرمان الخزينة من المليارات»، مشيرة إلى «سرعة تبرئة طربيه في واحد من الملفات بسبب الضغط السياسي». وقالت المصادر إن «المسار بكليّته لا يبشر بخير، وسط توقعات بإقفال الملف عند هذا الحد وتنييمه قضائياً».