يلفتني التحليل “الشرلوكهولمزي” لبعض السياسيين والصحافيين عندما يربط كل حدث بما وراءه من نيات مبيتة ومبطنة، كحملة الوزير وائل ابو فاعور مثلاً، والتشكيك في خلفياتها وأهدافها وتوقيتها… أخالف رأي القائلين إنّها لإلهاء اللبنانيين بالدجاج واللحوم لجعلهم ينسون “داعش” والانتخابات الرئاسية والنيابية. فإذا كانت هناك عقبات كبيرة تعترض الاستحقاقات الكبرى فهذا لا يعني إهمال القضايا اليومية الحياتية، وإلا لأصبحنا مزرعة. ويجب ألا ننسى أن لكل وزارة اختصاصها، وليس مطلوباً من الصحة ولا الزراعة ولا الثقافة ولا السياحة وضع استراتيجية دفاعية. قانون منع التدخين اعترض عليه كثيرون، لاعتبارهم أن لبنان ليس سويسرا، وقالوا انه قبل تطبيقه يجب تطبيق غيره، لأنه سيؤثر في الاقتصاد والسياحة، وهذا ليس حقيقياً. لكن الاعتراض الأهم يجب أن يكون على مَن أصدر قراراً لن ينفَّذ، وإن يكن نُفِّذ مدة قصيرة لحفظ ماء الوجه.
والأشد خطراً من كل ذلك، هو وقف التنفيذ في كل أمورنا الحياتية، ريثما تحلّ المشكلات الاقليمية، وهذا التوقف يعني تراجعاً وتقهقراً، حتى في مسارنا الثقافي والاجتماعي، وينعكس على الناس إحباطاً يبقيهم أسرى نزاعاتهم الطائفية والسياسية والمناطقية. والأدهى هو إلهاء الناس عن محاسبة السياسيين على تقصيرهم وتجاوزاتهم ومزايداتهم السياسية والحزبية القاتلة.
وتحت ذريعة أن الوقت غير مناسب لتطبيق القوانين القائمة أو سنّ قوانين جديدة، أو مكافحة الفساد الغذائي، يترسخ الفساد ويسود الانفلات مؤسسات الدولة، ونغرق في الجمود والشلل، ويبتهج مَن ورطّنا في الأزمة السورية، ويرتاح بال من ارتكب جرائم الاغتيال، ويطمئن من استجرّ “داعش” و”النصرة” الى ديارنا!.
من هنا نقول إنّ المقاومة الحقيقية هي في مكافحة الفساد ومنع شلل الدولة والمؤسسات، وفي تطبيق قانون السير أو قانون مكافحة العنف ضد المرأة، وفي كل مشروع إنمائي مهما يكن متواضعاً، وفي كل حراك فني وفكري… فكل مَن يُسهم في إعطاء الحياة نبضاً يشكل مقاومة حقيقية. والنقاش والحوار في مواضيع الصحة والتربية والسياحة وسواها على صفحات الاعلام، أفضل من التلاسن الطائفي عبر الشاشات، وأجدى.
فالوزير بيار الجميّل والرئيس رينه معوض الشهيدان (اللذان نستذكرهما هذا الاسبوع) وسواهما من شهدائنا انما كانوا يحلمون بلبنان قوي في صناعته ودولته وكل مرافقه، في ظل سيادة وطنية غير منقوصة، وجيش قادر لا ينازعه في السيادة حزب أو جماعة… أفليست هذه المبادىء الثوابت، هي الأخرى، مقاومة حقيقية؟
ان نختلف او نتعارض فهذا أساس اللعبة السياسية الحقيقية، أما المواضيع الحياتية فيجب ان تكون في صدارة اهتماماتنا لانه يمكننا أقله التحكم بها وتطويرها في انتظار ان نقرر يوما ان نستيقظ كي نقرر مصيرنا.