ما قالته الناطقة باسم الخارجية الفرنسية بالأمس عن موقف بلادها من رئيس سوريا السابق بشّار الأسد، هو خلاصة تكثّف الواقع القائم، وتلجم في الوقت ذاته، بعض الاستطرادات الهوائية.
قالت أنييس روماتي اسباتيي، إن باريس تعتمد (سياسة) واقعية على خطَّين. «الأوّل أنها لا تجعل من رحيل الأسد شرطاً مسبقاً للمفاوضات. والثاني أنّه لا يمكن، في وجوده، التوصل الى حل للنزاع السوري».. وذلك في زبدته وروبته وصفوته ومصله، يعني أنّ كل ما يجري راهناً على المستوى السياسي والتفاوضي (والميداني) مرحلي وليس دائماً، ومحاولة لتثبيت حالة وسطية معقولة: أكثر (وأكبر) من هدنة عاديّة، وأقلّ من حلّ دائم.
وتلك تعني في ما تعنيه، إبقاء الأولويّة للحرب على الإرهاب و«تأجيل» كل معركة على هامش هذه الحرب، حتى لو كانت ذات صلة مُحكمة بأصل النزاع السوري وبديهيّاته! بحيث يبقى كل طرف عند النقطة التي وصل إليها.. وبانتظار يوم آخر.
وقد تطول هذه المرحلة، حتى الى ما بعد تفطيس «داعش» في الرقّة، أو تعقّبه بنجاح في غيرها وخصوصاً في دير الزور.. ثم قد تشهد (وستشهد) محاولة الإيرانيين والأسديين التفلّت من أي ضوابط ولواجم، والسعي الى انتهاز ما يرونها «فرصة لا تعوَّض» لكسر المعارضة أكثر وأكثر، والاستحواذ على مواقع جديدة؛ ومواصلة القتال لاستكمال فتح «الخط البرّي» الرابط بين زوايا «الهلال» الإيراني من شطّ قزوين الى شطّ المتوسط!
ثمّ الأرجح، أن الآستانة لن تكذّب خبرها الأخير القائل بفشل المفاوضات فيها، لأنّ الأتراك لا «يمزحون» في الموضوع الكردي. ولا في تسييب حدودهم مع سوريا. ولا في الانكفاء أمام حالات تمسّ أمنهم القومي فعلياً وعملياً.. وهم في ذلك أحقّ من غيرهم! من الروس والإيرانيين والأميركيين! لأنّهم على تماس مباشر مع الجغرافيا المشتعلة والمشلّعة، فيما هؤلاء على تماس مترف مع مشاريعهم وطموحاتهم البعيدة عن أرضهم وعمرانهم والمبنيّة على حطام سوريا ودماء أهلها!
حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، فإن «الحل السوري» على قاعدة التوافق الأميركي – الروسي، دونه عقبات كأداء انطلاقاً من حقيقة سعي موسكو الى سلة متكاملة تشمل العقوبات والقرم وأوكرانيا وغيرها، فيما «أولويات» واشنطن في مكان آخر، يبدأ فيها ومنها، وتحديداً من نقطة تصفية الحساب مع تدخل فلاديمير بوتين في شأنها الانتخابي الرئاسي (والسيادي!) ويمرّ على تحجيم النفوذ الإيراني وضرب الإرهاب ومواصلة التفتيش على حلّ للمعضلة الكورية الشمالية وغير ذلك كثير.
.. ما تقوله الناطقة باسم الخارجية الفرنسية ينطلق من تلك الوقائع ويثبّت هذه القراءة: المفاوضات شيء، و«الحل» شيء آخر! في الأولى الأسد موجود بقوة داعميه. لكن في الثانية لا يكون الحلّ معه بل مع داعميه! وعند هذه النقطة هم وليس غيرهم، مَنْ سيتكفّل بإزاحته! لكن وبانتظار الوصول الى ذلك، (إذا حصل!) فإن تثبيت الستاتيكو القائم لا يعني «انتصار» الأسد، وإن كان يعني فتكاً بطموحات شعب سوريا وثورته…
علي نون