لم تنجح حتى الآن كل محاولات البعض لملء الفراغ الذي أحدثه انسحاب الرئيس سعد الحريري وتياره من المشهد الانتخابي وتعليقه العمل السياسي حتى اشعار آخر. وتشهد الساحة السنية حالة من التشتت والارباك، خصوصا في ظل انكفاء قيادات وشخصيات مؤثرة يمكن ان تساهم مساهمة جدّية في التخفيف من وطأة وتأثير خطوة الحريري.
ورغم الحركة الناشطة التي قام ويقوم بها الرئيس فؤاد السنيورة باتجاه الداخل والخارج لملء هذا الفراغ، فان نسبة النجاح التي حققها حتى الآن متدنية جدا، ويكاد يكون تأثيرها شبه معدوم، خصوصا ان الشريحة الكبرى من محازبي «المستقبل» وانصاره ينظرون له على انه تمرّد على قرار الحريري وخرق قواعده لأهداف تتعارض كليا مع اهدافه وتوجهاته.
ولعل من ابرز الاسباب التي اضعفت وتضعف مسعى السنيورة هو موقف الحريري منه، حيث انه رفض في المبدأ ومنذ البداية فكرته رافعا الغطاء عنه، و»نافضا يديه» مما يفعله.
اما السبب الثاني الذي لا يقل اهمية ايضا، فهو «الاشتباك غير المعلن» بينه وبين السيدة بهية الحريري التي تقف الى جانب ابن شقيقها الشيخ سعد قولا وعملا، ولا تخفي استياءها مما قام ويقوم به السنيورة، لا بل سارعت في الآونة الاخيرة مع نجلها الامين العام لـ «تيار المستقبل» احمد الحريري الى تطويق تحركه واجهاضه في مناطق مختلفة.
والسبب الثالث، هو تحالف السنيورة غير المعلن مع «القوات اللبنانية» ورئيسها الدكتور سمير جعجع الذي يعتبره السواد الاعظم من جمهور الحريري و»المستقبل» لانه «مارس الغدر والخيانة تجاه الشيخ سعد في الاوقات العصيبة».
وهناك سبب رابع اساسي ايضا يتمثل بعدم امتلاك السنيورة الرصيد الوازن في الاوساط الشعبية السنيّة لاسباب عديدة ابرزها توجهاته وسياسته تجاه القضايا المعيشية والاجتماعية، والارث الذي يلاحقه منذ توليه حقيبة وزارة المال في السابق.
ووفقا للمعلومات التي توافرت، فان السنيورة لا يخفي شخصيا خلال احاديثه في مجالس مغلقة الصعوبات التي واجهها ويواجهها للاشراف على تشكيل لوائح رديفة تملأ فراغ غياب الحريري و»المستقبل» عن المسرح الانتخابي والسياسي. ورغم فشله في تحقيق نسبة نجاح مؤثر في هذا السياق، فانه استطاع في بعض الدوائر والمناطق ان يفتح ثغرا بالتعاون مع «بعض المتمردين على قرار الحريري» من نواب وحزبيين، لا سيما في طرابلس ـ المنية وصيدا وبيروت. وقد اصيب في مناطق ودوائر اخرى بمرارة شديدة، ولا يزال يسعى لاحداث ثغر وخروقات في مناطق اخرى لتوسيع دائرة لوائحه بالتحالف مع «القوات».
فعلى سبيل المثال، حاول السنيورة منذ اسبوعين واكثر ان يوفّق بين النائب عاصم عراجي، الذي يملك شعبية وازنة في قضاء زحلة، و»القوات» بعد ان فشلت في اقناع عراجي بالتحالف معها، رغم سلسلة اتصالات اجرتها معه على مستويات عديدة. لكن محاولات السنيورة لم تنجح، حيث اكد عراجي انه ليس بصدد التحالف مع «القوات»، وانه يفضل تشكيل لائحة بالتحالف مع قوى سياسية مستقلة عن الانقسامات الحاصلة في المنطقة.
كذلك لم ينجح السنيورة في استقطاب نواب «المستقبل» وليد البعريني وهادي حبيش لتشكيل لائحة تضم مرشحا لـ «القوات» في عكار، وهو يسعى الى دعم لائحة في صيدا تتحالف مع مرشحي «القوات» في جزين.
وتضيف المعلومات، ان السنيورة يعتبر ان مسعاه قطع شوطا لا بأس به، وانه غير موجه ضد احد، وانما يهدف الى لملمة الساحة السنيّة في الانتخابات النيابية، وعدم استفادة الخصوم من الوضع القائم بعد انكفاء الحريري وتعليقه و»تيار المستقبل» العمل السياسي والانتخابي.
وفي المقابل، يقول احد نواب كتلة المستقبل «ان ما قام ويقوم به السنيورة هو دوران في حلقة مفرغة، اذ لا احد يستطيع ان يملأ فراغ الرئيس سعد الحريري ولو بقي في اقاصي الدنيا، وان التزام جمهوره وجمهور تيار المستقبل بقرار الشيخ سعد هو التزام واسع وكبير وهو يتجاوز تخيلات البعض».
من جهة اخرى، يبدو ان بهاء الحريري يشعر بالخيبة، وفي وضع لا يحسد عليه، فهو لم يتمكن حتى الآن من اتخاذ قرار نهائي وجريء بخوض الانتخابات شخصيا او برعاية تشكيل لوائح مؤثرة، لا في العاصمة ولا في اي منطقة اخرى. وتلاحظ مصادر سياسية ان اندفاعه لتأدية دور فاعل على الساحة السياسية السنيّة بعد قرار انكفاء شقيقه تراجع في الاسابيع الاخيرة بشكل كبير، حتى ان هناك من يعتقد بانه سينكفىء عن دخول الحلبة الانتخابية بسبب عدم تحقيق النتائج التي كان يتوخاها.
وتلفت المصادر الى ان فريق عمله لم يتمكن من تحقيق اي خرق يذكر في الخزان الشعبي السنّي او في جمهور شقيقه وتياره، لافتة الى انه استطاع جذب بعض الكوادر الذين كانوا يدورون في فلك «المستقبل» ظنا منه انه يستطيع من خلالهم تكوين حالة شعبية وازنة يمكن الاعتماد عليها في الانتخابات، لكنه وجد لاحقا ان هذا الاعتقاد ليس في محلّه، وان ما كان ينقل له شيء والواقع شيء آخر.
وفي توصيف حركة بهاء الحريري يقول أحد النواب غير الحزبيين في «كتلة المستقبل» انه «أكل الضرب، لأنه اعتمد على اشخاص لا يدركون حقيقة الشارع السنّي، ولا يقدرون حجم تأثير وقوة الرئيس سعد الحريري وشعبيته في هذا الشارع».