عشية انطلاق الخلوة الحوارية بأيامها الثلاثة، يعول الكثير من اللبنانيين عليها من اجل احداث خرق ولو جزئي في جدار الازمات الداخلية ، مقابل توجس شريحة اخرى لا يستهان بها من محاولة حرف الحوار الذي يتسم بطابع استشاري محض عن هدفه الى حيث يمكن الولوج الى البحث في امكان تعديل الدستور وصولا الى فرض مؤتمر تأسيسي يكرس صيغة جديدة للعيش المشترك لا تقوم على المناصفة التي تشكل الضمانة الاساسية للاستقرار والانتظام السياسي في لبنان منذ توقف الاعمال العسكرية عام 1990، والذي لم تفلح كل المواقف السياسية التي اعلنها رئيس مجلس النواب نبيه بري في تبديده.
مشروع، تؤكد اوساط في 14 آذار، ان مواجهته تفرض على اللبنانيين ادراك ما قد يحاك لهم في الحوار الثلاثي، لان المطلوب العودة الى «اتفاق ثلاثي» معدل، تحت عنوان اعادة «بعض» الحقوق للمسيحيين، محذرة من خوض غمار مغامرة خطيرة من هذا النوع قد تدخل البلاد مجددا في أتون الصراعات والفوضى المتحكمة بمصائر الكثير من شعوب المنطقة، معتبرة ان دستور «الطائف» هو الافضل لحكم لبنان في الظروف الحالية اذا ما طبق، فالمشكلة لا تكمن في نصوصه بل في عدم تطبيقها والتحايل عليها لفرض منطق «فائض القوة»، متسائلة كيف يطالبون بتعديل ما لم يلتزموا به ولم ينفذوه حتى، ليعرفوا «خيره من شره»، معتبرة ان مجرد قراءة التطورات على المستويين الداخلي والاقليمي يرسّخ الاعتقاد بأن فائض القوة الذي يملكه حزب الله، قد يحمله على فرض معادلة جديدة برأي الاوساط نفسها، ترتكز الى المثالثة مكان المناصفة ،متى دقّت ساعة تسليم السلاح والانخراط في «المنظومة اللبنانية» المفترض انها لم تعد بعيدة اذا ما وصلت تسوية الازمة السورية سياسيا الى خواتيمها السعيدة قبل نهاية آب المقبل كما وعد وزير الخارجية الاميركي جون كيري.
رؤية تستدركها الاوساط، بتأكيد ثقتها بالرئيس نبيه بري ومواقفه لجهة تمسكه الواضح والعلني «بدستور 1990»،الا انها لا يمكنها ان تأمن الى جهات أخرى قد تكون تدفع البلاد نحو مؤتمر تاسيسي، تحت الكثير من المسميات والشعارات، من خلال استمرار ضرب بنود الطائف واظهاره غير مناسب للواقع اللبناني الجديد، مستندة الى تبدّل موازين القوى التي حكمت مرحلة الطائف، وهو أخطر ما يمكن ان يلجأ اليه اي فريق لبناني، ذلك ان دساتير البلاد لا يجوز ان تكون عرضة لتقلبات الموازين، خصوصا انها غير مرتبطة فقط بالواقع المحلي بل بالاقليمي المتبدل باستمرار، بما يبقي لبنان في حال من اللااستقرار الدائم، مضيفة انه اذا كانت عين التينة مقتنعة بأن الطائف هو افضل الموجود الان،فان ذلك لا يعني بالضرورة ان القناعة نفسها موجودة في حارة حريك الذي لم يخفِ في اكثر من مناسبة تطلعه الى مؤتمر تأسيسي، بحسب رأس الاوساط، ويمهّد له على ما يبدو عن طريق تعطيل المؤسسات الدستورية وادارات الدولة من الداخل، كما هو حاصل على الصعيد الرئاسي والحكومي، اما مباشرة او عبر الحلفاء، وصولا الى الشلل الكامل الذي يفسح المجال واسعا امام مؤتمر من هذا النوع، يصبح في ظل الفراغ المعمم حاجة للجميع.
غير أن الحوار الذي تقلع محركاته اليوم، سينطلق على وقع عريضة «لحماية الدستور والطائف»، وسط خشية الاوساط في 14 آذار، من أن يوصل فلش القضايا الخلافية كلها على الطاولة الى «تمييع» الملف الرئاسي الذي يجب ان يحظى بالاولوية المطلقة،بعدما تشعب جدول الاعمال، ليشمل ملفات طرحتها «السلّة المتكاملة» والتي لا إمكانية لحلها لا سيما قانون الإنتخابات النيابية والإستحقاق الرئاسي، باعتبارها قضايا خلافية كبيرة ذات ابعاد اقليمية أما البنود الأخرى فمرتبطة بهذين الملفين، من ملف النفط العالق عند عنق زجاجة المصالح الغربية-الاسرائيلية، وصولا الى قانون انتخاب،أعيدت كرة ناره الى طاولة الحوار بعد أن أغرقت «شياطين» تفاصيله اللجان النيابية المشتركة، والذي بدوره لن يبصر النور قبل التسوية السياسية كونه سيكون المحور الاساس في اعادة رسم التوازنات الداخلية وطبيعة النظام.
اما الانتخابات الرئاسية، والكلام للاوساط، فان كل المعطيات الخارجية لم تسفر عن مناخات ايجابية بشأنها، مع سقوط الرهان على تواصل سعودي -ايراني او ايراني – غربي على هذا الصعيد، ذلك أن أولويات الجهات الخارجية لا تزال على حالها، مؤكدة أنه على الرغم من أن الصورة أضحت غير واضحة، فهناك استكمال للإتصالات السرية والعلنية، وللضغوط المحلية للوصول الى تسوية أو حلّ حتى وإن لم يكن موعده قريبا، لافتة الى أن جسّ نبض المتحاورين في لقائهم المرتقب حول ما يمكن أن يُطرح في السلّة الكاملة من المرتقب له أن يساعد في المشهدية المتصلة بالتفاؤل أو التشاؤم او حتى «التشاؤل».
غير أن ما حملته الأيام الماضي من موجات تفاؤلية مصدرها الرابية، لم تكن مؤكدة بنسبة كبيرة، خاصة بعد الكلام الأخير للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي خلا من أي إشارة للملف الرئاسي تاركا أكثر من استفسار حول حقيقة الموقف تضيف الاوساط، ربما بسبب تكتيك اتّبعه للإيحاء، إما أن هناك شيئاً ما يعمل عليه أم أن الأمور لا تزال في إطار المراوحة والمراوحة الطويلة، بانتظار المتغيرات الإقليمية والدولية وتوصيات جلسات الحوار المتتالية، بحسب ما يؤكد مقربون من الرابية، مكتفين بالقول أن الأجواء جيدة وأن التفاؤل قائم، لكن الأمور لم تصل بعد الى درجة القول أن «الأمر قد تمّ»، مشيرة الى أن المفاوضات التي قامت بين الرابية وبيت الوسط عبر بعض الوسطاء لم تتناول أي حسم معيّن، كما أن تيار «المستقبل» لم يُبلغ التيار «الوطني الحر» أي كلمة توحي بأن نوابه سينتخبون العماد ميشال عون بعد سحب مبادرة الرئيس سعد الحريري، لافتة الى أن أي إتفاق بسحب ترشيح النائب سليمان فرنجية لم يُبرم، وهو ما تؤكده سلسلة لقاءاته السياسية المنتظرة، مؤكدة أن هناك تعويلاً تمّ بناءً على معطيات داخلية وتحرّك لبعض المعنيين خارج لبنان، لكنه لم يشكّل إشارة نهائية لإنجاز هذا الإستحقاق.
وحده الرئيس نبيه بري يحمل لواء التفاؤل بالخلوة الحوارية في آب المقبل، رغم اقراره بأن كل طرف سيدخل عين التينة بصيغة حلّ تنطلق من رؤيته وارتباطاته والمصالحة الداخلية والخارجية والتي من الصعب ان تتلاقى او تتقاطع مع الصيغة التي يحملها الطرف الآخر، وإن كان شعار الجميع أن الحلّ «يبدأ بإنتخاب رئيس الجمهورية»، يضاف الى ذلك أن غياب قيادات الصف الاول الحريري – عون – نصرالله – جعجع ، سيجعل المتحاورين يراوحون مكانهم بانتظار العودة الى مرجعياتهم، دون نسيان ان الملف اللبناني ليس جاهزاً للطرح والبتّ اقليميا، حيث لا توجد دول على استعداد للوقوف الى جانب لبنان من أجل مساعدته خارج الإطار اللفظي او المعنوي، حيث الأولوية هي الأحداث في سوريا والعراق واليمن والبحرين ولكل جهة إقليمية أو دولية حساباتها وإلتزاماتها، وخير دليل ما حصل على مستوى قمة موريتانيا التي أظهرت مدى الضعف والعجز العربي.
ما سُجّل من مواقف وتحرّكات سياسية في الساعات الماضية أقفل الباب نوعاً ما أمام بعض ما سُرّب من تباشير تفاؤل بقرب «الفرج الرئاسي» والذي كان قد ضُرب له موعداً في شهر آب أو اوائل أيلول، رغم اصرار البعض على ان محركات «الكواليس» لا تزال تعمل على «طبخة سرية». فعلى ما يراهن بري؟وهل المشهد السياسي المتصل بالإنجاز الرئاسي لا يزال على حاله من «الستاتيكو»؟ أم أن هناك أمراً ما يجري إعداده؟ أم أن مشاورات معينة قد قادت الى الفشل؟