IMLebanon

إعادة التوازن إلى اليمن

حالت العملية العسكرية التي باشرها التحالف العربي – الخليجي – الإقليمي، دون سقوط عدن. كان ذلك سيؤدي إلى حرمان ما بقي من الشرعية اليمنية من مدينة مهمّة تقيم فيها، خصوصاً بعد استيلاء الحوثيين، أي «أنصار الله«، على صنعاء وبعد التفافهم على تعز، في طريقهم إلى العاصمة الاقتصادية للبلد.

كان تفادي سقوط عدن، النتيجة المباشرة الأولى للضربات الجوية المتلاحقة على أهداف عسكرية تابعة للحوثيين. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ العملية العسكرية التي تشارك فيها طائرات سعودية وإماراتية وكويتية وقطرية وبحرينية ومغربية وأردنية وباكستانية، فضلاً عن طائرات من دول أخرى وقوات بحرية مصرية، أعادت التوازن إلى الوضع الذي اختلّ في اليمن منذ دخول «أنصار الله« صنعاء وسيطرتهم عليها وعلى مؤسسات الدولة، بما في ذلك كلّ الوزارات والبنك المركزي، سيطرة كاملة في الواحد والعشرين من أيلول الماضي.

تبيّن أن القوى العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، المهتمّة مباشرة بالاستقرار في اليمن، ليست مستعدة للتفرّج إلى ما لا نهاية على ما يجري في ذلك البلد المهمّ من كلّ النواحي. تبيّن أن المجموعة العربية لا تأبه بما ستفعله إيران التي قد تكتفي بجائزة ترضية أميركية تتمثّل في مشاركة طائرات «الشيطان الأكبر (سابقاً)» في عملية تدمير تكريت على أهلها تمهيداً لاستعادتها من «داعش«.

كان البيان الذي صدر، قبيل بدء العملية العسكرية، عن خمسة من الأعضاء الستة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية في غاية الأهمّية، خصوصاً لجهة تشديده على الحوار بين اليمنيين وعلى انعقاد مؤتمر يضمّ كل الأطراف المعنية بالأزمة. فالهدف من العملية العسكرية يتمثّل في تحقيق هدف سياسي وليس التصعيد من أجل التصعيد. الهدف هو الحوار بين اليمنيين في ظروف تسمح لهم باتخاذ قرارات في أجواء مريحة بعيداً عن السلاح، تفضي إلى الخروج بصيغة تحمي البلد من جهة وتحمي الأمن الخليجي، الذي هو من أمن اليمن من جهة أخرى.

من الواضح أن الدول العربية في الخليج، باستثناء سلطنة عُمان التي لديها ظروفها الخاصة، لم تعد تتحمّل ما يجري في اليمن منذ أشهر عدّة، خصوصاً منذ بدا واضحاً أنّ النفوذ الإيراني يتمدّد في البلد في كلّ الاتجاهات. بلغ هذا النفوذ ذروته مع فتح مطار صنعاء أمام الطائرات الإيرانية وتحوّل ميناء الحديدة إلى ميناء إيراني على البحر الأحمر، ومتابعة الحملة العسكرية لـ«انصار الله« في اتجاه باب المندب الذي يعتبر من بين أهمّ الممرات المائية في العالم.

في الواقع، إنّ المشكلة مع «أنصار الله« كانت تتلخّص في رغبتهم في السيطرة على الدولة اليمنية وتوقيع اتفاقات باسمها، على الرغم من وجود رئيس يتمتع بشرعية ما هو عبد ربّه منصور هادي. اضطر هادي، مجبراً، في اليوم الذي سيطر فيه الحوثيون على صنعاء إلى رعاية توقيع «اتفاق السلم والشراكة« الذي نسف عملياً المبادرة الخليجية من جذورها، علماً أنّ تحولّه من نائب للرئيس، في عهد علي عبدالله صالح، إلى رئيس انتقالي، كان بناء على هذه المبادرة. أكثر من ذلك، حضر جمال بنعمر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة توقيع «اتفاق السلم والشراكة« الذي فرضه سلاح الحوثيين الذين انتصروا في معركة عُمران تمهيداً لدخول صنعاء.

ما كشفته العملية العسكرية في اليمن أن هناك قيادة شابة في السعودية، تعمل بإشراف الملك سلمان بن عبدالعزيز، قادرة على اتخاذ قرارات كبيرة، عندما يتعلّق الأمر بأمن المملكة. بكلام أوضح، هناك رفض سعودي للممارسات الإيرانية التي تصب في عملية تطويق للمملكة. هناك مجموعة من العرب الواعين تدرك ما على المحكّ. هذه المجموعة كانت وراء التدخل في البحرين ثمّ دعم الثورة الشعبية المصرية، التي أطاحت حكم الإخوان المسلمين، ووضعت اللبنة الأولى لاستعادة التوازن الإقليمي المختل.

هل يقبل الحوثيون بالمشاركة في مؤتمر للحوار الوطني يعقد في إحدى العواصم الخليجية؟ أم أن «أنصار الله« يعتبرون أن السلاح الذي يمتلكونه والأرض التي سيطروا عليها يشكّلان سبباً كافياً لاعتبار نفسهم دولة قائمة بحدّ ذاتها، دولة تمتلك ما يكفي من السلطة لوضع رئيس الجمهورية في الإقامة الجبرية، ثمّ توجيه كلّ أنواع الانتقادات له لمجرّد أنّه قرّر الهرب من صنعاء إلى عدن؟

لم يتوقّف «أنصار الله« عند حدود معيّنة. باتوا لا يعرفون حجمهم بعدما استفادوا من الانقلاب الذي نفّذه الإخوان المسلمون على علي عبد الله صالح إثر خطفهم الثورة الشعبية التي حصلت في البلد. زادت شهيتهم، خصوصاً بعدما بلغوا مشارف تعز وبعدما سهّل لهم علي عبدالله صالح الوصول إلى قاعدة العند المهمّة غير البعيدة عن عدن. قد يكون ذلك خطأ كبيراً ارتكبه الرئيس السابق، الذي استفزّه الهجوم على معسكر القوات الخاصة (الأمن المركزي سابقاً) في عدن.