IMLebanon

حين تكشّر «الوسطيّة» عن أنيابها: تمرّد وانقلاب وتطرّف؟!

مرّت جلسة مجلس الوزراء على خير وسلام. لم تهتزّ الحكومة ولم تقع، رغم كلّ ما قيل ويُقال. امتعاض «حزب الله» من كلمة رئيسها تمام سلام في القمّة العربية انتهى في أرضه، بعدما حقّق غايته المنشودة، تسجيل موقفٍ، لا «تطيير» الحكومة، «الصامدة» في دولةٍ يحكمها «الفراغ» ولا شيء سوى الفراغ.

سجّل الحزب موقفه ولم يمشِ إذاً، فلا بديل عن الحكومة في الوقت الحاضر. لكنّ موقفه لم يمرّ دون «تداعيات». سريعًا، تعرّض لـ«القصف» من الطراز الثقيل، قصفٌ للمفارقة لم يكن «آذاري» الطابع، كما كان يخال ويتوقع، فـ«الوسطيّون» هم الذين استلموا الدفّة، مكشّرين عن أنيابهم انسجامًا ربما مع «عاصفة الحزم».

هكذا انهالت التعليقات على وزير الصناعة حسين الحاج حسن من كلّ حدبٍ وصوب، بُعيد موقفه الرافض لكلمة سلام في قمّة شرم الشيخ، والتي اعتبرها تمثل رأي شريحة من اللبنانيين ولا تجسّد موقف لبنان الرسمي، وعلى خلفية إعلانه أنه سيثير الموضوع في أول جلسةٍ لمجلس الوزراء. قال البعض أنّ موقفه هو «صفعة للتضامن الحكومي»، وقال آخرون أنه «يدفن الحكومة»، فيما ذهب بعضٌ ثالثٌ ليسخر من مطالبة «حزب الله» الآخرين بما لا يفعله هو، فهو من يأخذ قرارات الحرب والسلم نيابة عن الدولة، دون التنسيق والتشاور مع أحد.

بيد أنّ اللافت في الردود التي تتالت سريعًا، بحسب مصادر سياسية مطلعة، كان اشتعال «الجبهة الوسطية» بشكلٍ فاقعٍ وفاضحٍ، حيث نقل زوار رئيس الحكومة عنه «تهديدًا ووعيدًا» مفاده أنه سيرفع جلسة الحكومة فورًا إذا ما انبرى أيّ من الوزراء لإثارة كلمته في القمّة والاعتراض عليها، علمًا أنّ النقاش يفترض أن يكون ظاهرة صحية في العمل المؤسساتي، والاعتراض هو حقٌ بديهي لأيّ وزير، أياً كانت انتماءاته واختصاصاته.

وعلى جري العادة، تولى رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط مهمّة «قيادة» الحراك الوسطيّ، وهو الذي «تمرّد» على مواقفه المبدئية المطالبة دومًا بتحييد لبنان عن صراع المحاور، على حدّ تعبير المصادر، التي تذهب لحدّ القول أنه «انقلب» على سياسة «النأي بالنفس» وحتى على «إعلان بعبدا» اللذين لطالما باركهما، ووصل به الأمر لحدّ توصيف اعتراضٍ مؤسساتي بسيط بأنه «غير مبرّر» بكلّ بساطة.

وإذا كانت المصادر تربط «الانتفاضة الوسطية» بتموضع الواقفين وراءها بشكل واضحٍ لا يحتمل اللبس إلى جانب العملية العسكرية السعودية في اليمن، وبالتالي فإنّها لم تأتِ من عبث، بل إنّ لها مدلولاتها على غير صعيد، يرفض المقرّبون من «بيك المختارة» مقولة أنّ الرجل «انقلب على وسطيته في ليلةٍ لا ضوء قمر فيها». برأيهم، فإنّ «الوسطية» التي ارتآها النائب وليد جنبلاط ثابتة، وهي تصبّ في مصلحة لبنان أولاً وأخيراً في ظلّ الاصطفافات الخطيرة القائمة، والتي لا تبشّر بالخير، بل تكاد تحوّل لبنان لساحة تصفية حسابات، تتزاحم المحاور على استخدامها لتسجيل النقاط هنا وهناك، ما يتطلب فسحة تلاقٍ تجنّب البلاد المصير الأسود الذي يسعى البعض لجرّه إليه، عن قصد أو عن غير قصد.

من هنا، تنطلق هذه المصادر، لتشدّد على أنّ المواقف الأخيرة التي أطلقها «البيك» بعيد انطلاقة عملية «عاصفة الحزم» على الأراضي اليمنية لا تتناقض بتاتاً مع «الوسطية»، لأنّ «الوسطية» تنبع أولاً وأخيرًا من مصلحة لبنان، ومصلحة لبنان تقتضي أولاً وأخيراً الوقوف إلى جانب أشقائه الذين لطالما كانوا إلى جانبه، وعلى رأسهم، وفق المقرّبين من «البيك»، المملكة العربية السعودية التي تواجه التمدّد الإيراني في المنطقة، والذي بلغ مستوياتٍ غير مسبوقة.

أكثر من ذلك، تقول المصادر «الاشتراكية» أنّ موقف النائب وليد جنبلاط من أحداث اليمن لم يكن مفاجئًا، بل إنّ الغريب كان لو أنّ الرجل اتخذ موقفاً مغايرًا، ذلك أنّ سيرته الذاتية تثبت أنه لطالما كان منحازًا للعرب وقضاياهم المحقّة، وهو لا يمكن أن يحيد عن الخط العربي تحت أيّ ظرفٍ كان، وهو وإن انتهج خيار الوسطية، فإنّ ذلك لا يعني الحياد بالمطلق، خصوصًا إزاء القضايا الخطيرة التي تمسّ الوطن العربي برمّته، بل تجعله لقمة سائغة في أيّ مجالٍ من المجالات.

لكنّ كلّ هذه «التبريرات» للانحياز «الفاضح» الذي انتهجه «دعاة» الوسطيّة لا تُقنِع من اختاروا المعسكر المقابل، ومن ذهب في قراءته للأحداث اليمنية بعيدًا، لحدّ تشبيه المملكة العربية السعودية بالعدو الإسرائيلي بشكلٍ أو بآخر، سواء لجهة تسمية ما تقوم به في اليمن بالعدوان الذي ما كان ليحصل لولا الغطاء الأميركي الذي توفّر له، أو لجهة المجازر التي ترتكبها بحقّ المدنيّين الأبرياء، وبينها نساءٌ وأطفال لا حول لهم ولا قوة.

وفي هذا السياق، تشرح مصادر سياسية في قوى الثامن من آذار أنّ «الوسطية» فضحت نفسها، وأظهرت بما لا يقبل الشكّ أنّها لا تمتّ لمصطلح «الوسطية» لا من قريب ولا من بعيد، «وإلا كيف يمكن تفسير ليس فقط تبريرها لتدخل دولةٍ عربيةٍ في شؤون دولةٍ أخرى وانتهاكها لسيادتها وما يمكن أن يجرّه ذلك من فوضى تعمّ العالم العربي من محيطه إلى خليجها، بل أيضًا وقوفها مع الجلاّد ضدّ الضحية وتغطيتها لعدوانٍ بكلّ ما للكلمة من معنى على شعبٍ أعزل، دون أن يكون قد ارتكب أيّ ذنب يستأهل عقابًا جماعيًا من هذا النوع؟»

ترى هذه المصادر أنّ «مدّعي الوسطية» لو كانوا يؤمنون فعلاً بدورهم الوسطي، لكانوا استغلّوا الفرصة لمحاولة لعب دورٍ وسطي فعلاً لا قولاً، عبر السعي لتقريب وجهات النظر أو أقلّه تحصين الوحدة الوطنية وتجنيب البلاد كأس «المَحاور» المُرّة، ومن يدري ربما كان بإمكانهم أن يطلقوا مبادرة ما، بدل أن يدعموا في مكانٍ ما جرّ المنطقة للمزيد من الحروب. وتخلص مصادر «8 آذار» من كلّ ذلك إلى أنّ «الوسطية» فضّلت أن تؤكّد المؤكّد، وأن تقول أنّ «المصالح الخاصة والحسابات الفئوية» لا «القضايا المبدئية» هي التي تحرّكها وتتحكّم بها، فمتى شعرت أنّها في الحياد تموضعت فيه، ومتى شعرت أنّها تحققها من خلال هذا المعسكر أو ذاك، تموضعت فيه أيضًا من دون تردّد.

أكثر ما يستوقف قوى «8 آذار» أنّ «وسطيي آخر زمن»، كما تسمّيهم، تفوّقوا على زملائهم في قوى «14 آذار» في اتخاذ مواقفهم «المتطرّفة»، من دون أن يفكّروا حتى بالإبقاء على «شعرة معاوية»، مع من اختاروا «الخصومة» معهم على خلفية «أجندات الخارج». لكنّ «الوسطيين» يردّون على هذا الاتهام سريعًا، بالقول أنّ «حزب الله» مثلاً حوّل القضية اليمنية لقضية وجودية، وغالى في مواقفه التصعيدية بوجه السعودية، وهو ما لم تفعله إيران نفسها، التي حيّدت نفسها، بل باتت تتحدّث عن مبادرات إنقاذية وحلول سياسية..

وبين هذا وذاك، يبقى الأكيد أنّ «النأي بالنفس» لم يعد واردًا إزاء الملف اليمني، بل إنّ اللبنانيين الذين اتفقوا على الاختلاف في مقاربته، باتوا واقعين على رؤوسهم في مستنقعه، وعن سابق تصوّر وتصميم!