IMLebanon

«تمرّد ارثوذكسي».. ام خصوصية كرسها الرابع هزيم؟

مع انطلاق «الحرب المقدسة» الروسية في سوريا رسميا، كثرت التكهنات في تداعيات تدخل موسكو على المشهد السوري عسكريا، واللبناني سياسيا، كما على الصورة في المنطقة،في وقت لم يخف حلفاء محور «الممانعة» تعويلهم على النتائج الايجابية لتلك الخطوة، لما قد يترتب عليها من انعاش للنظام السوري ،معلية من صوت نهج «المقاومة» ، رغم التشديد الروسي على الحفاظ على الصيغة اللبنانية وإبقاء الرئاسة مع الموارنة وتثبيت المسيحيين في مناطقهم التاريخية في لبنان والشرق، الحجة التي تخوض موسكو حربها تحت لوائها ، بوصفها حامي الاقليات المسيحية في المنطقة ،بعد تخلي الغرب عنهم.

في هذا الاطار ترى مصادر مسيحية مشرقية أن صنّاع القرار في الكرملين يعيدون حساباتهم الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن دخل الوضع السياسي المتأزم في لبنان دائرة عدم الإستقرار، وجعله يؤخذ بعين الإعتبار كعامل أساسي خلال البحث عن حلّ للأزمة السورية، وسمح له بان يكون «شريكا» الى طاولة الكبار في فيينا،مضيفة ان الوضع الجغرافي لهذا البلد الصغير يسمح باستخدام أي اضطراب داخلي من قبل اللاعبين الدوليين لتحقيق غاياتهم ومصالحهم الخاصة.

وتتابع المصادر بان الحرب الباردة، شهدت مراحل متعددة،جعلت من لبنان منطقة نزاع بين سوريا والغرب، ذلك أن أي زعزعة للإستقرار السياسي في هذا البلد يؤثر على موازين القوى في الشرق الأوسط، ويؤدي إلى تدخل من اللاعبين الأجانب في الشؤون اللبنانية الداخلية، منهنا تتجلى المصلحة الروسية في الوقت الحالي بدعم «سيادة واستقرار لبنان«، خصوصًا وأنّه على مرّ التاريخ كان هذا الإتجاه الروسي الدائم، فالإتحاد السوفياتي كان من أول الدول التي اعترفت بلبنان كبلد مستقل عام 1943،ولا أحد ينفي النفوذ والتأثير الروسي النافذ فيه، حيث تورد الخارجية الروسية أن «لا حدود للعلاقات التجارية والإقتصادية الروسية اللبنانية»، حيث تجاوز حجم التجارة الثنائية، عام 2013، 500 مليون دولار.

رؤية تتطابق وتحليل شخصية مسيحية مشرقية، عملت وما زالت على التسويق للتدخل الروسي وانعكاساته الايجابية على المسيحيين عموما والارثوذكس خصوصا، باعتبار الكنيسة الروسية راعية لاوضاع تلك الطائفة في الشرق و«حامية» لهم، بعدما استعادت دورها الريادي في الداخل الروسي ، حتى تكاد تلك الشخصية تتحدث عن تحول روسيا الى «دولة أرثوذكسية»، معتبرة ان لبنان تأثر بالتدخل العسكري الروسي في سوريا، انطلاقا من تأثره بكل مراحل الأزمة السورية، وأي تدخل يتطور في الوضع في سوريا قد ينعكس، إما إيجابًا أو سلبًا على لبنان، بحكم التماس المباشر، ناقلة عن مرجع سياسي بارز بان هذا التدخل العلني سيغير المعادلة الداخلية في لبنان ويطلق يد روسيا وايران فيه، متخوفة من ردة الفعل العربية على هذا الامر التي ستكون قاسية بعض الشيء حيال التشدد اكثر في الملفات المحلية، وهو ما نراه في شد الحبال القائم حاليا.

انطلاقا من ذلك تبدي الشخصية ارتيابها من موقف المتروبوليت الياس عودة و«الحركة» التي قادها داخل الكنيسة وخارجها ، «اعتراضا» على التدخل الروسي ،من منطلق سياسي ، هو المعروف عنه اصطفافه التاريخي الى جانب «الخط السيادي» منذ زمن الوجود السوري ، حبث ناصب هذا النظام العداء ، وتحول في مراحل لاحقة الى عراب لاتفاق سياسية حكمت الانتخابات النيابية وساهمت في قلب الموازين لمصلحة فريق على حساب آخر، محذرة من ان تلك «الحركة» ستؤدي الى «انقسام» داخل الكنيسة لم تشهده الطائفة قبلا ، خاصة ان البطريرك اليازجي يسير في منحى آخر، مستدركة ان ذلك لا يعني باي حال من الاحوال وجود «تمرد» داخل الجسم الارثوذكسي، متحدثة عن هامش وخصوصية لطالما تمتع به ابناء الطائفة في لبنان برعاية مطرانية بيروت التي تقدمت الصفوف، مبدية عتبها على المطران عودة الذي قبل اللفتة التكريمية الاميركية ، ما ثبت «الاتهام السياسي» في حقه وتموضعه في المحور المواجه لمحور المقاومة.

مصادر سياسية مقربة من مطرانية بيروت،اشارت من جهتها ان المتروبوليت الياس عودة لم يخف يوما التزامه سيادة واستقلال لبنان ، وعظاته تشهد على مواقفه الوطنية والسياسية التي لا يخجل منها، مؤكدة ان «سيادته» لا يصطف في المحاور ولا يتلون بحسب مواقف السفراء ، انما تلك الدول تغير مواقفها لتقترب مما يعلنه، هو الذي طالما انتقد السياسة الاميركية، يجد اليوم نفسه ومن نفس المنطلقات في موقع مضاد للمؤيدين للتدخل الروسي، انطلاقا، اولا من الخطر الذي سيشكله ذلك على المسيحيين في المنطقة، وثانيا من منطلق عقائدي ديني حيث لا حروب مقدسة في الكنيسة، وثالثا من ايمانه بان ما يحمي المسيحيين هو قوتهم وتضامنهم مع اخوانهم في المنطقة، مستشهدة بالمقولة الشهيرة للبطريرك الرابع هزيم الذي قال عام 1985 «بان الوجود المسيحي في هذه الارض سابق للوجود الاسلامي، واننا اصحاب تلك الارض»، مستدركة بان التعاون والتضامن مع المسلمين لا يبرر ولا يعني ممارسة الظلم والاضطهاد او الحاق الغبن والاضرار بالحقوق المسيحية،متابعة ان الكنيسة المشرقية لا تتبع للبطريركية الروسية وهي مستقلة عنها، وبالتالي فان لها ظروفها وسياستها الخاصة التي تتلاءم وبيئتها، لافتة الى ان لا انقسام ولا خلاف مع البطريرك اليازجي ، متحدثة عن الخصوصية اللبنانية في هذا الخصوص والدور الجامع الذي لعبته طائفة الروم الارثوذكس في لبنان طوال الحرب كصلة وصل بين مختلف الاطراف.اما فيما خص اللفتة الاميركية فاشارت المصادر الى ان عظات «سيدنا عودة» ومواقفه العلنية كما في الجلسات الخاصة مع الدبلوماسيين الاميركيين طوال فترة الاحتلال السوري للبنان كانت واضحة ومنتقدة، يوم كان من يعترض اليوم على «تكريمه» ، مؤيدا لواشنطن ومسوقا لسياستها في لبنان ومستظلا بعباءتها لممارسة الاعيبه وتحقيقه مصالحه الخاصة على حساب المصلحة الوطنية.

بكل الاحوال يبدو ان الرهانات على التدخل الروسي وتداعياته زادت الى الانقسام اللبناني انقساما، تخطى حدود الاعتراض السياسي ليبلغ منحى غير مستحب اثار حفيظة الرعية الارثوذكسية في بيروت ، والتي استفاقت صباح الاحد على مناشير موزعة قرب الكنائس في منطقة الاشرفية، كتب عليها «كي لا تدمر كنائسنا، كي لا يخطف مطارنتنا، كي لا تباع نساؤنا شكراً روسيا»، تحتج على مواقف المتروبوليت الياس عودة الاخيرة المناهضة للتدخل العسكري الروسي في سوريا والتي استفزت الرأي العام الارثوذكسي المتعاطف مع روسيا، في رسالة قرأ فيها الكثيرون «تهديدا» مبطنا طالما وصل مطران بيروت الكثير منه، دون ان يحيده ذلك عن مواقفه ومبادئه.علما ان الاجهزة الامنية باشرت تحقيقاتها وتمكنت من تحديد هوية بعض الاشخاص والسيارات.