Site icon IMLebanon

فرنيني: أنا قادر على المساعدة أكثر من النواب

 

“بلا جميلة” كهرباء لبنان “ضوي شارعك” مبادرة تعيد ليل العاصمة نهاراً

 

كلٌ يلعن الظلام ومن تسبّب به، لكن قلة من يضيئون شمعة في ليل البلد القاتم الحزين، الكل ينتظر صحوة الدولة الغارقة في سبات مرضي عميق وقلة تبادر وتقوم بما تقدر عليه لإعادة الحياة والحركة الى الجسد المخدّر العاجز. غابي فرنيني من هذه القلة التي ترفض الانتظار ومبادراته مع جمعية Rebirth،Beirut لإعادة إحياء بيروت وإضاءة شوارعها هي الشمعة التي تعيد الضوء الى العاصمة الجريحة.

في زحمة الجمعيات والمنظمات التي نشأت إثر انفجار المرفأ لمساعدة بيروت وأهلها برزت بضعة أسماء اتسمت بالصدقية والجديّة والأهم بالاستمرارية، واستطاعت أن تتخطى مرحلة ترميم الحجر وإعانة المتضررين والوقوف الى جانب العاصمة والنظر الى احتياجاتها المتزايدة، وإعادة ضخ الحياة في شرايينها الهامدة. Rebirth Beirut من بين هذه الأسماء وخلفها يقف كابي فرنيني الذي سئم رؤية شوارع العاصمة كئيبة غارقة في الظلمة، فابتكر مبادرة ذكية لإضاءتها من بين مبادرات متعددة أطلقها مع الجمعية.

 

فرنيني الذي كان عضواً في المجلس البلدي لمدينة بيروت استقال منه في العام 2020 لينزل الى الأرض ويساعد أبناء بيروت إثر انفجار المرفأ، وأنشأ حينها الجمعية لتقديم المساعدات الاجتماعية للمتضررين ومساعدتهم على ترميم بيوتهم وإطلاق حملة تلقيح أثناء جائحة كورونا. لكن بعد هذه المرحلة صار هدف الجمعية إعادة الأمل الى بيروت وتحريك عجلة اقتصادها، بيروت التي ما كادت تلتقط شيئاً من أنفاسها حتى عاد الظلام ليحاصرها عادت الأزمة المالية لتشل شرايين الحياة فيها.

 

مبادرة فردية بلا سياسة؟

 

البعض لم يصدق أن الرجل لا يبغي هدفاً سياسياً من خلف مبادراته وأيقنوا أنها لا شك شبيهة بالزفت الانتخابي، تهدف الى إيصاله الى الندوة البرلمانية. لكن “الماء كذب الغطاس” كما يقال، فلم يترشح كابي فرنيني الى الانتخابات وبقي يعمل خلالها وبعدها لتحقيق عودة الضوء الى الشوارع وإشارات السير، عودة الزفت الى حفر وأخاديد العاصمة التي سقطت من حسابات البلدية سهواً. تمويله ما كان من السفارات أو من جهات خارجية كما باتت سمة الكثير من الجمعيات بل بمبادرات فردية لأشخاص لبنانيين همهم ان يساعدوا أنفسهم ويعملوا من أجل عاصمتهم.

 

لـ”نداء الوطن” يروي فرنيني كيف انطلقت أولاً فكرة إعادة تشغيل إشارات السير الأساسية في بيروت على الطاقة الشمسية لتعيد النظام والأمان الى الشوارع. ويقول: “مع غياب الشارات الضوئية عن نقاط أساسية في بيروت عمت الفوضى وكثرت حوادث السير وغاب الأمان عن السائقين والمارين، لذا طلبنا الإذن من محافظ بيروت ومن هيئة السير لإعادة تشغيل اشارات أساسية على الطاقة الشمسية، وحتى اليوم أنجزنا 8 إشارات ونحضر لأربعة أخرى. من تقاطع برج الغزال برمزيته التي تجمع بين طرفي العاصمة كانت نقطة الانطلاق وانتقلنا الى مار نقولا والتباريس والجميزة والسوديكو والصوفيل وغيرها”.

 

نسأل هنا إذا كانت المبادرة تقتصر على الأشرفية وترتدي طابعاً مناطقياً؟ فيؤكد فرنيني أن ذلك غير وارد في فكره مطلقاً إذ تم العمل على إشارات في شارع بشارة الخوري في انتظار التعميم على نقاط أخرى في العاصمة.

 

وحين سألنا عن صيانة هذه الإشارات ومن سيتولاها بعد أن بتنا معتادين على مشاريع تنشأ وتدفع من أجلها الأموال ويهلل لها لتهمل وتترك في ما بعد بلا أي صيانة، شرح لنا أن صيانة الإشارات مؤمنة لمدة سنة وبعدها ربما تكون الدولة قد استيقظت من سباتها وتطلعت الى ناسها.

 

زفت وطاقة شمسية وأضواء

 

بعد إلإشارات كانت مبادرة “زفّت جورة لتصير طريقك أحلى”، وما أكثرها الجور في شوارع بيروت التي صار بعضها أشبه بجل ترابي في منطقة جبلية. بهبات من الناس والشركات عملت جمعية Rebirth Beirut على تزفيت أكثر من ألف جورة. على مدى 12 يوماً عملت فرقها على ردم الحفر وتصحيح وضع الريغارات التي لا تزال صامدة في وجه السرقات لتصبح الطرقات أفضل. بلا مساعدة من أحد ولا “جميلة” أي وزارة او مجلس وبموافقة المحافظ تمّ العمل وفق مواصفات محددة وبالتنسيق مع أجهزة بلدية بيروت على تزفيت الجور. ويؤكد فرنيني أنهم مستعدون لتغطية كل بيروت في حال تأمن التمويل، أما اليوم فمن يقدم الهبة يختار المنطقة التي يتم العمل فيها.

 

في كل المبادرات التي يخبرنا بها فرنيني يتردد اسم محافظ بيروت القاضي مروان عبود. فالرجل وبشهادة كثيرين يعمل كل ما في وسعه من أجل العاصمة ولا يتردد في دعم المبادرات البناءة التي تهدف الى مساعدة أهلها…

 

أما المبادرة التي لقيت أقوى الأصداء وشكلت فارقاً حقيقياً في ليل العاصمة فكانت مبادرة “ضوي شارعك” التي اطلقها فرنيني مع عدد محدود من الأصدقاء المشاركين في الجمعية، بالتعاون مع شركة MEDCO والبنايات المحلية ومولدات الأحياء. فكرة بسيطة سطعت في العتمة: لماذا لا يشارك كل من يملك مصدر طاقة في بنايته في إضاءة الشارع من حوله؟ بشكل عفوي تلقائي ولدت المبادرة، بنايات الأشرفية الفخمة معظمها يملك مولدات كبيرة تضيء الشقق والمداخل والكاراجات، فيما الشارع أمامها مظلم لا يعرف للكهرباء طعماً، فلم لا يتم التعاون مع المجتمع المحلي وكل من يملك مولداً للاستعانة بالطاقة الفائضة عنه لا سيما ليلاً لإضاءة الشارع وإعادة الحياة إليه، ما يساهم في عودة الحركة بخاصة إن كان شارعاً تجارياً. المستشفيات، الشركات، المؤسسات الكبرى كلها قادرة على إنارة الشوارع القريبة منها وكل مولد يشارك في إضاءة الشارع يحصل على نسبة حسم من سعر المازوت من شركة ميدكو. الكل تحمس للمشاركة، يقول فرنيني، فالناس متلهفون للنور، ومن جهتها أمنت الجمعية الإمدادات والمعدات المطلوبة من ديجونكتورات وكونتاكتورات ومصابيح كهربائية وبدأ العمل على إنارة شوارع الجميزة، باستور، مار مخايل، ساسين ووصل العدد الى 12 شارعاً في أقل من شهر وباتت لائحة الانتظار طويلة نظراً للتجاوب الذي لقيته المبادرة. قريطم، الروشة وغيرها من الأحياء تنتظر دورها بعد أن أبدت كامل استعدادها للمشاركة، وكذلك المستشفيات مثل رزق واوتيل ديو والجامعة الأميركية أبدت استعدادها لضخ الحياة في الشوارع حولها وإنعاش الحركة فيها.

 

الشفافية أساس العمل، فالجمعية تعاقدت مع من يقدم عروض الأسعار الأفضل لإتمام التوصيلات. وهكذا بات للشوارع الأساسية اكتفاؤها الذاتي من الكهرباء بطريقة بسيطة، ذكية و”بلا جميلة كهرباء لبنان”.

 

عودة النور… عودة الحياة

 

لا نريد أن نعيش في العتمة، هذا ما يقوله فرنيني، والشارع الذي يعود إليه النور تعود اليه الحركة التجارية والسياحية. شغل المطاعم والحانات وعمل الدكاكين والمتاجر يتحسن وتجوال الناس في الشارع ليلاً يصبح سهلاً وآمناً وتعود إليهم بذلك الرغبة في السهر والتجول في المدينة، وشارع الجميزة الذي اضيء من جديد خير مثال على ذلك.

 

درج مار نقولا التراثي، رمز الحركة الثقافية والسياحية في بيروت وقلب الأشرفية النابض أضيء منذ أيام بالتعاون مع أفراد، وعادت إليه الروح وكأن المدينة تولد من جديد مع ولادة الضوء.

 

ورشة “ضوي شارعك” ورشة كبيرة وتحتاج الى وقت وجهد لإنجاز إضاءة مختلف الشوارع، وكأن اللبناني الذي اعتاد غياب الدولة، سعى لإيجاد الحلول الفردية المبتكرة لمشاكله وانتقل من الخاص الى العام، وليس مستبعداً، ربما، أن يجد طريقته الخاصة لإضاءة وزارات الدولة ومؤسساتها وبيوت أهلها.

 

“بهذه الطريقة أنا قادر على المساعدة أكثر من النواب”، يقول غابي فرنيني، الذي لم يطلب مساعدة من أي من السياسيين لكنه يرحب بها متى أتت. رسالته ان تبقى بيروت حية مضاءة نابضة بالحياة، وان تستمر أفكاره ومبادراته الحالية والمقبلة في الوقوف الى جانب بيروت.

 

وإنطلاقاً من هذه القناعة حول مكاتب جمعية Rebirth Beirut في الجميزة الى مركز ثقافي لجمع الفنانين اللبنانيين وعرض أعمالهم وتشجيع إبداعهم، ليبقى لبنان بهمة أفراده أكبر من مسؤوليه وقادراً دوماً على ولادة جديدة.