IMLebanon

ارتداد غير مبرر..

لا يمكن ببساطة استيعاب الحالة التصادمية المتصاعدة في لبنان باتجاه استعادي مشابه في عناوينه لما حصل سابقاً.

أي من غير المفهوم أن تُعاد مشكلة سياسية عامة إلى جذر انقسامي طائفي، في وقت تبدو «السياسة» في لبنان راهناً، أقل قدرة من استيعاب مشاكله، وأبرزها إصابته بشظايا حرب مذهبية تمتد تقريباً على مساحة العالم الإسلامي، وتضرره مباشرة من حريق الجوار السوري ومن تداعيات الأزمات التي ولّدها في المدار العربي العام.

ومقوّمات قلّة فهم أو استيعاب تلك الهبّة الارتدادية، لا تقتصر بطبيعة الحال على الانشغالات الأكبر من حدود لبنان، بل من ضمور أسبابها المحلية، وبالعمق وليس على السطح فحسب. أي لم تعد عندنا تلك الثنائية الملعونة المتعلقة بالغبن من جهة والخوف من جهة ثانية، بل يمكن الافتراض، وبضمير مرتاح، أن الكل صار مغبوناً، والكل صار خائفاً! وأنه، تحت هذا السقف السلبي تقوم إيجابية لا تخطئها عين ولا يضيّعها فؤاد هي تلك المتعلّقة بتشكّل حالة لبنانية أبعد مدى بكثير من الشعر والنشيد.. ومن الخطأ، النظر إليها بخفّة، أو الظن بأنها مجرد رد فعل عابر على ارتكابات الصلف الوصائي السوري، أو نتيجة وعي جماعي بحتمية «المصير المشترك» طالما أن الخسارة كانت العنوان الوحيد الجامع والمشترك، لتجارب الكل، خلال الحرب الأهلية!

لا يُغفل هذان العاملان من الحسبة، لكنهما لا يختصرانها. بل للمرة الأولى، تبدو «اللبنانية» مصطلحاً علمياً وفي مكانه برغم كل شيء، وإيجابياً برغم تكويناته السلبية! ولا شيء يدلّ على ذلك أكثر من الأزمات الموضعية القائمة حالياً، والتي كشفت أن عبورها فوق الانقسامات الفئوية والحزبية والمناطقية صحيح وتام ومنجز! وأن أخطارها موازية في المساواة بين الجميع. بحيث إن النفايات، وتهديد الاستقرار النقدي والتأزيم الاقتصادي، هي عناوين عامة وأكيدة، أيًّا يكن سعي البعض إلى تطييفها أو مذهبتها أو وضعها تحت شعار انقسامي.. وقبلها كلها، وعلى رأسها، مسألة الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية وخشية غير المسيحيين، قبل المسيحيين وربما أكثر منهم، من أضرارها الفادحة عليهم وعلى الدولة ومؤسساتها، ثم الأهم على تركيبتهم التي اصطلح على تسميتها صيغة عيش مشترك واحد!

كانت «اللبننة» عنوان انكسار الدولة واحتراب أهلها واستيراد كل فشل ممكن من الجوار والعالم ثم الادعاء بأنه نجاح.. «اللبنانية» على العكس. هوية عقلية جامعة، وإلا ما كانت لتصمد في زمن الانفلات المفضوح للغرائز، وخصوصاً في السنوات الأخيرة وفي وسط محيط إقليمي (ودولي!) متفجّر إلى هذا الحد! وقصور في الوعي لدى بعض المشتغلين في الشأن العام تجاهل هذه الحقيقة وردّ أي خلاف سياسي، أيّاً كانت أهميته، إلى غير مكانه وغير توصيفه. وقصور مقابل ذلك الأداء الذي يحاول دائماً تحميل «الطرف الآخر» مسؤولية حصرية عن أزمات ساهم الجميع في انضاجها!

«اللبنانية» رداء بارد في مناخ حار. ويمكن الجزم وبإحكام، بأنه لا يوجد عاقل يريد خلع هذا الرداء!