Site icon IMLebanon

جموح على أنقاض الدولة

تتمادى الطبقة السياسية باستباحة مؤسسات الدولة وضعضعتها من الداخل، كما يستمر الفريق البرتقالي بالإمعان في التعطيل الى أبعد الحدود، ضاربين عرض الحائط المصلحة الوطنية العليا التي تقتضي في هذه الظروف العصيبة تضافر الجهود ومدّ قنوات التواصل للخروج من الأزمة بأقل ضرر ممكن، بدءاً من استمرار عمل الحكومة بانتظام كونها السلطة الاخيرة الفاعلة، مروراً بإعادة ضخ الدماء بشرايين مجلس النواب المجمّدة وصولا لملء الشغور الرئاسي ذات الارتدادات المدوّية على بنية الدولة، وجدية العمل في مؤسساتها.

وبعد صمت طويل إزاء شدّ الحبال حول ترشيح العماد عون وتأمين النصاب لإيصاله الى بعبدا، خرج حزب الله عن صمته وأعلن تضامنه مع وزير الخارجية، المنتمي للفريق الحكومي والمعارض له، وفقاً لما تقتضيه المصلحة الآنية، وليس الواجب الوطني طبعاً، إذ أنقذ حزب الله حلفه الاستراتيجي عبر مقاطعة جلسات مجلس الوزراء إذا لم يؤجلها الرئيس سلام إفساحاً للبازار السياسي حتى يأخذ مجراه، كما جرت عادة التيار الوطني لتحقيق مآربه. إلا أن جائزة الترضية هذه لا تلغي التساؤلات المشروعة حول حقيقة موقف الحزب من انتخاب الجنرال أو غيره، لملء الشغور الرئاسي، كون الموقف على ما يبدو مبدئياً من إجراء الانتخابات الرئاسية، حيث الأجندة لا تشمل حلولا داخلية في الوقت الحاضر، بما أن الأولوية لا تزال في إيجاد حل شامل للأزمة السورية.

اما رهان التيار الوطني على التصعيد لتحقيق مصالحه الخاصة، فهو رهان خاسر سلفاً، لأن العادة جرت في الماضي في دفع البازارات نحو النهايات السعيدة من قبل التدخلات الخارجية، والتي هي غائبة اليوم عن الساحة اللبنانية لأسباب عديدة، لا مجال للخوض بها، إلا أن ملخصها كون لبنان تراجع في تصنيفه ضمن الأولويات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، والجنرال وحلفاؤه، مع كل المصالح الضيقة، هم حكماً في آخر سلم القضايا الدولية التي ممكن ان تدفع بتدخلات خارجية لحلحلتها…

وبالتالي، يبقى الطريق الوحيد الذي لا يزال مفتوحاً هو التسوية الداخلية، وليس فرض الإرادة بالقوة، خاصة ان الفريق الآخر يعتبر أنه لم يعد لديه ما يخسره بعد كل التنازلات والتضحيات التي قدمها في سبيل الوفاق للخروج من الأزمات المتلاحقة، والتي اتضح لاحقاً أنها كانت دون طائل، بل دفع ثمنها غالياً من رصيده الشعبي والرسمي داخل مؤسسات الدولة!

فهل يعيد حزب الله حليفه البرتقالي الى رشده السياسي ويبعده عن سياسة الانتحار الجماعي، عبر إسقاط آخر معاقل السلطة، أم أن من أخل بالميثاقية يوم أسقط حكومة سعد الحريري أثناء زيارته الرسمية الى واشنطن لا يرى بالطموح العوني أي خطر؟

إن إسقاط أو تعطيل الحكومة تحت ستار الميثاقية الواهي لم يعد لينطلي على اللبنانيين، وليتحمّل كل فريق مسؤوليته الوطنية إزاء الجرائم السياسية المستمرّة تجاه مقومات الدولة ومؤسساتها، والتي حوّلت لبنان الى مغارة علي بابا، ولكن مع أعداد هائلة من اللصوص التي تنهش في عائدات الدولة وتعيث بها فساداً غير مسبوق! مما يثبت نظرية أن من يعطّل الدولة هو المستفيد الأول من حالة الفوضى المدمّرة، والتي لا يبدو لها نهاية في المدى القريب.

وأخيراً أين الميثاقية في إبقاء المركز المسيحي الأول شاغراً لما يزيد عن العامين، أم ان اختلاق الملفات الخلافية والمواقف المعطلة بات أفضل طريقة للتغطية عن الخطايا الكبرى المرتكبة بحق الوطن والطائفة معا؟!!