IMLebanon

انحسار العاصفة العونية: ما لها وما عليها

التهدئة الحالية التي يمارسها تكتل التغيير والإصلاح بعد تصعيد الأسبوع الماضي، طرحت أسئلة داخل أوساط التيار الوطني. وهذه بعض منها

هل فوّت التيار الوطني الحر فرصة «ضرب الحديد وهو حام»، فانسحبت الأزمة السياسية التي أراد رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، رفعها إلى مرتبة تعطيل السلطة الحالية، من جدول الأولويات السياسية، لتصبح واحدة من الأزمات التقليدية التي يعيشها لبنان منذ أشهر.

بدت الأزمة الحكومية الأسبوع الماضي وكأنها الحدث الوحيد.

تحرك السفراء المعنيون لتوضيحات تتعلق بالتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ولجسّ النبض حول مسار التحرك العوني وتأثيره على الحكومة. وبدأت في المقابل حركة اتصالات مكوكية بين لبنان وسياسيي الخارج، في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة الحكومية تلافياً لتصعيد متوقع من عون إلى حد يوصل إلى تعطيل كافة المؤسسات وشل بيروت ووسطها.

وبالفعل بدأ واقع التعطيل الذي قال عون إنه سيقوم به يأخذ مداه بدليل تعطيل مجلس الوزراء وعدم دعوة الرئيس تمام سلام مجلس الوزراء إلى الانعقاد. لكن سرعان ما لاحت ملامح تهدئة سياسية من جانب التكتل، أدت إلى السؤال الذي يطرح في أوساط التيار الوطني الحر العاملة ميدانياً منذ سنوات طويلة.

ورغم حرص عون المستمر على تأكيد وحدة التيار وضرورة عدم خروج عناصره عن أدبيات التكتل والتيار، إلا أن ما جرى خلال نهاية الأسبوع، سمح لبعض أوساط التيار بأن تتحدث علانية عن التهدئة المفاجئة بعدما وصل الخطاب العوني إلى حده الأقصى من خلال تصريحات وزراء التيار ونوابه في تظاهرة ساحة الشهداء، والبحث في خيارات تقارب الاستقالات.

لا شك في أنّ الرؤية تختلف بين سياسيي كل من التكتل والتيار. للفريق الأول حساباته السياسية ومعلوماته التي تنطلق من ضرورة ترك الباب مفتوحاً أمام المبادرات وعدم ترك التحرك الميداني يصل إلى حد حصول تشنجات قد ترتد سلباً على مفاوضات التكتل. وفي قراءة هذا الفريق أن التهدئة السياسية التي انطلقت مع كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، تتقاطع مع استمرار الاتصالات بعد الدعم السياسي والميداني الذي قدمه الحزب. فالتظاهرات أعطت مفعولها، وتعطيل الحكومة والمجلس النيابي لا يزال سارياً من دون أي تراجع. والأزمة لا تزال مفتوحة، ويملك التكتل وحده مفتاح إيجاد حل لها. وما دليل نجاح التكتل في معركته إلا تصاعد الحملة عليه في شأن الكهرباء والنفايات والاعتمادات المالية، وهي كلها ملفات سبق أن رد عليها التكتل وفند من يتحمل مسؤوليتها.

في المقابل، ترى أوساط في التيار الوطني أنّ التهدئة الحالية قد لا تكون في محلها. فالاستعداد للتظاهرة التي كانت ستحصل في وسط بيروت في عطلة نهاية الأسبوع كانت على قدم وساق، إلا أن قرار حصولها ظل رهناً بما سيقوله نصرالله، وموقفه من مطالب التيار. ما إن أطل عون على تلفزيون «المنار» بعد كلام نصرالله، بدا واضحاً لهذه الأوساط، أن جدول التحركات قد جمد، وأن ثمة قراراً بوقف التحركات الشعبية، وترك الاتصالات تفعل فعلها.

بعد أيام على كلام عون، لا يزال الوضع على حاله، تصعيد كلامي يقابله تعطيل في وضع الحكومة. لكن بالنسبة إلى أوساط التيار التي تعرف جيداً ما يجري، فإن الخشية من أن تسحب القضايا السياسية والأمنية وهج مطالب التيار، فلا تعود متقدمة كما كانت عليه الحال الأسبوع الفائت.

بين التظاهرة الأولى والثانية، حصل الأمر نفسه، وكان لبعض المعارضين لوقف التظاهرات موقفهم المؤيد لاستمرار التحركات الشعبية لمزيد من الضغط الشعبي. مع التحرك الثاني كانت ماكينات التيار قد استنفرت نفسها، وبدأت بالاستعداد لمزيد من الضغط. إلا أن وقف التحرك بالنسبة إليها قد يرتدّ سلباً ويعطي معارضي التيار فرصة لالتقاط أنفاسهم.

فالحدث العوني على الأرض فرض نفسه، بدليل الحملة الكبيرة الإعلامية والسياسية التي قوبلت بها. ورغم كل الانتقادات، أسهم التحرك في تعطيل مجلس الوزراء. لكن ما حصل أنّ الحدث العوني تراجع بفعل الأحداث التي توالت، فقضية توقيف الشيخ أحمد الأسير وما قد يرافقها من تداعيات في ضوء اعترافاته، طغت وستطغى في الأيام المقبلة على المطالب العونية. إضافة إلى أن قضية النفايات والرواتب والحملة التي يقوم بها خصوم التيار لتحميله المسؤولية، ستكون متقدمة عما عداها، الأمر الذي سيؤدي تلقائياً إلى عدم تصدر مطالب التيار الأساسية، المتعلقة بالتمديد لقائد الجيش أو الحقوق المسيحية، صدارة الحدث. لأنه حتى انعقاد مجلس الوزراء مرة جديدة ستكون الأحداث المتتالية قد «أكلت» مطالب التيار، ولا سيما أن اللبنانيين اليوم لا يرون أمامهم إلا إزالة نفاياتهم ودفع رواتبهم.

في الكلام المتداول في هذه الأوساط، أن كلام نصرالله أعطى دفعاً قوياً لمطالب التيار، لكنه لم يترجم عملياً على الأرض، وهناك حركة سياسية داخل تكتل التغيير والإصلاح، تدعو إلى التجاوب مع اتصالات التهدئة، وعدم التصعيد في الشارع. لكن رؤية التكتل تختلف جذرياً عن رؤية من يتحرك في التيار للدفع في اتجاه استكمال الضغط والاستفادة من الوهج الشعبي ومما حصل في مجلس الوزراء الأخير، لإبقاء الحركة الشعبية قائمة، والدفع أكثر نحو التعطيل المباشر وليس التعطيل السياسي فحسب، والإفادة من دعم نصرالله بطريقة فورية.

هناك في التيار من يخشى اليوم ضياع «اللحظة السياسية المناسبة»، تحت وطأة استحقاق التيار الوطني الحر، ووصول الوزير جبران باسيل الى رئاسة التيار كما هو متوقع في 20 أيلول. فالمداولات التي جرت أخيراً وقبل إتمام الانسحابات والتوافقات التي كانت متوقعة لدى العونيين المعارضين لباسيل، حمّلت وزير الخارجية مسؤولية ما حصل منذ الحوار مع الرئيس سعد الحريري وصولاً الى المفاوضات التي سبقت التمديد للقادة الامنيين. رغم أن المعارضين لباسيل يعترفون بأن الاخير لن يتراجع أو يقدم تنازلات، وما يقوم به في وزارة الخارجية وجولاته التي يدعو فيها الى تحقيق مطالب المسيحيين تؤكد عكس ذلك، لكن المشكلة أنه في طريقه كي يكون واحداً من رؤساء الاحزاب المسيحية ويجلس الى الطاولة معهم من موقع الند للند، حرق أوراقاً كثيرة داخل التيار وخارجه. وهو في تدويره الزوايا اليوم، يمسك ملف المفاوضات والتهدئة ويبقيه في يده حتى يصبح رئيساً للتيار الوطني الحر.