ببشاشة وجهه المعهودة، وبحرارة ايمانه بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، اطل نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، مبعوثاً من قوة «حزب اللهية»، ليُعلم «14 آذار» على الطريق الأمثل والصراط المستقيم الذي يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية: «من كان ينتظر انتخاب رئيس الجمهورية نتيجة للتطورات الاقليمية، نقول له انها بعيدة جداً. فالتطورات لن تكون لمصلحته، والخيار الوحيد المطروح امام اللبنانيين هو أن يتّفقوا!».
بدعة سياسية جديدة تُضاف الى قاموس البدع السياسية الخاصة بـ«حزب الله»، وهي بدعة «التوافق»، أو ربما من الأجدر تسميتها بـ«بدعة التوافق التعطيلية»، التي يتلطى الشيخ قاسم وحزبه وايران خلفها، لتعطيل الانتخابات الرئاسية ريثما تتضح الامور في المنطقة.
لا ضير من تذكير الشيخ قاسم بالدستور اللبناني. فإيمانه المطلق بأن أي عمل سياسي يجب أن يكسب شرعية «ولي الفقيه»، من شأنه أن يُبعده عن الدستور، أو ربما يُنسيه معنى الدساتير.
الطريق الوحيد لانتخاب رئيس للجمهورية، بحسب المادة 49 من الدستور، هو بالتوجّه الى مجلس النواب لانتخاب رئيس بغالبية ثلثي البرلمان في الدورة الاولى، وبالاغلبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي. هكذا ببساطة. «ناقض الشيخ قاسم نفسه في خطابه الاخير. فهو من جهة يؤكد أن حزبه يعطّل الرئاسة بانتظار التوافق»، ومن جهة اخرى يتّهم 14 آذار بالتعطيل»، يقول عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش لـ«المستقبل»، ويسأل «ما حاجة حزب الله الى تعطيل الانتخابات الرئاسية لو لم يكن متأكداً من ان الاكثرية النيابية، إذا ما جرت الانتخابات بطريقة حرة، ستكون بيد مرشح 14 آذار أو أحد المقربين من هذا الفريق؟»، مؤكّداً أن «الحزب لم يسعَ يوماً الى انتخاب رئيس للجمهورية، انما لتعطيل الانتخابات بانتظار المعطيات الاقليمية، أو ربما للوصول الى دولة فاشلة كي تُسهّل مسألة تغيير النظام والذهاب الى نظام جديد».
وأعرب علوش عن اعتقاده بأن «حزب الله سيكون في هذه المرحلة بالتحديد أكثر تشدّداً وإصراراً على عدم السماح بانتخاب رئيس جديد، حتى وإن كان النائب ميشال عون، لأن المتغيرات الاقليمية سلبية تجاه الحزب ومحور الممانعة أكثر من اي وقت مضى»، مشيراً الى أن «لا نصرالله ولا قاسم ولا غيرهما باستطاعتهم اقناع الجمهور اللبناني بحججهم التعطيلية».
وبالحديث عن هذه الحجج، واصل قاسم تقديم ارشادات «وصفته الانتخابية السحرية»، إذ اعتبر أن «خيار حزب الله بالرئاسة هو خيار لبناني، بينما جماعة 14 آذار تنتظر الاوامر السعودية لتأخذ قرارها»!.
نسي الشيخ قاسم او تناسى ان «من ينتظر الاوامر السعودية»، على حد زعمه، قد حضر كافة جلسات انتخاب الرئيس، بينما أمعن حزبه وبعض حلفائه بالتغيّب عن الجلسات بهدف تطيير النصاب وتعطيل الانتخابات. نسي او تناسى أن «من ليس قراره بيده»، بحسب زعمه، نزل الى البرلمان بمرشّح موحّد (الدكتور سمير جعجع)، بينما قرّر حزبه أن يرشّح النائب عون صورياً من دون أن يتجرّأ على حمل هذا الاسم الى صناديق الاقتراع في البرلمان. إن كان خيار «حزب الله» في الرئاسة «خياراً لبنانياً»، كما يدعي قاسم، فليلتزم الحزب وحلفاؤه بالدستور اللبناني، وليتوجّهوا الى البرلمان في الثالث عشر من أيار المقبل لانتخاب الاسم الذي يتفّق عليه هذا الفريق، وليبتعدوا عن «بدعة التوافق»، لان التوافق الذي يطالعنا به «حزب الله»، انما هو فرض لمنطقه، بينما الساعي الحقيقي الى التوافق يجهد لملاقاة الآخر في الوسط.