يتحدّثون عن المواصفات لا عن الصفات التي يتحلّى بها هذا المرشّح الرئاسي عن ذاك، كأنما المواصفات في هذا المجال والموقع لا تختلف عن الألبسة الخاصة لا الخالصة التي يتمّمها خيّاطون خاصّون لأُناس معيَّنين خارج الفبارك والمعامل الكبرى.
تقول لنا مناسبات المعارك الرئاسيّة في زمن العزّ والطقش والفقش، والديموقراطيّة البرلمانيّة الفارضة نفسها وإرادتها على الجميع بلا استثناء، إن لبنان نادراً ما بحث عن الصفات والمواصفات عند هذا المرشّح أو ذاك. كانت المعايير والموازين والشروط والكفايات متداخلة، من غير أن يكون لها أي دور فعّال بالنسبة إلى “اختيار اللحظة الأخيرة”… حيث تصل كلمة السرّ مع الفجر حاملة اسم الرئيس الذي يجب أن يُنتخَب.
كم وكم من مرشّح رئاسي بارز، ومتمّم واجباته النيابيّة والسياسيّة، ومالئ كراسي النيابة والوزارة على حدّ سواء، ومحضراً نفسه وذاته وعائلته وأصدقاءه لفرصة العمر الذي دقّت ساعتها، كم من هؤلاء نام رئيساً بعد منتصف الليل واستيقظ قبل شروق شمس يوم الانتخاب ليكتشف أنه بات الأخير في صف المرشحين ورست “القرعة” على ألدّ خصومه؟
بعيداً من مراعاة الصفات والمواصفات، ودون إقامة أي اعتبار لأحقيّة من هنا وأفضليّة من هناك.
وتضيف الذكريات وأحداثها ومفاجآتها أن ما من مرّة كان لهذين “البندين” أي دور أو تأثير. فمعظم المرشّحين لمنصب رئاسة الجمهورية، في هذه المرحلة بصورة خاصة، والساعين للوصول إلى قصر بعبدا معروفون لدى الخاصّة والعامّة. ولدى القريبين والبعيدين على حدّ سواء، بصفاتهم ومواصفاتهم. وبأدقّ التفاصيل المتّصلة بمواقفهم، وانتماءاتهم، وصدقيّتهم، وشخصيّاتهم، ونفسيّاتهم، وأفكارهم، وأخلاقهم، وتواريخهم، وتطلّعاتهم، وشهواتهم، والقيم والتقاليد التي ينتسبون إليها ويتمسّكون بها.
ثم يأتي دور الصفة الأهمّ والأعظم، والمتّصلة مباشرة بنظافة التاريخ الشخصي، ونظافة الكفّ، ونظافة الضمير، ناهيك بالاستقامة وقول الحقّ والوقوف إلى جانب الحقيقة…
قدامى الخبراء، وقدامى السياسيّين، وقدامى المحلّلين والمتابعين، يميّزون بين المواصفات والصفات، كما ينظرون إلى المرشّحين للمنصب الأوّل في الجمهورية الهرمة. وعلى هذا الأساس يبنون تصنيفهم لهؤلاء:
منهم مَنْ تتوافر في شخصه كل الصفات الحميدة والمواصفات المجيدة، وهم قلّة. ومنهم مَنْ تحمل أكثرية اللبنانيّين همّ احتمال وصول أحدهم إلى الرئاسة لا سمح الله كما يقولون. ومنهم ما هو أسوأ من أن يُضاف إلى جانب اسمه أيّ وصف أو صفة وهلمّ جرّاً…
صحيح أننا دعونا المتحاورين في “نهاريات” أمس إلى “لبننة الرئاسة اللبنانية”، لكنه لم يغب عن بالنا أن نذكُر ونذكّر بالدور الإيراني وموقف المسؤولين في طهران من الاستحقاق والفراغ.