إنتظر اللبنانيّون طويلاً أن يأتيهم الخبر اليقين بانتخاب رئيس للجمهورية، إصلاحيّ، وطنيّ متحرِّر من المحاور الإقليميّة والدوليّة، متعلّم ومثقّف وصاحب كفّ نظيف، يُحقّق طموحات الشباب بوطن خالٍ من الفساد والمحسوبيات والمحاصصة، ليفاجأوا بترويج أخبار وإشاعات عن تسوية تقضي بانتخاب رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، ما يطرح أسئلة كثيرة عمّا إذا كان فرنجية قادراً على تحقيق كل هذه الأمنيات، وسط إعتبار بعض فريق «14 آذار» أنّ إنتخابه يمثّل هزيمة مدويّة لخطّهم السيادي والسياسي.
لا شيء مستحيلاً في السياسة، والثابت أنّ اللعبة السياسية متقلّبة وتخضع لموازين قوى متعدّدة، ولميزان الخسارة والربح، لكنّ الشعب اللبناني، وما أن سمع بأجواء وترويجات اللقاء الباريسي بين الرئيس سعد الحريري وفرنجية وسط حديث عن ارتفاع أسهم فرنجية الرئاسيّة وأنّ السعودية لا تمانع وصوله الى سدة الرئاسة، حتّى غاصَ في التحليلات ورسَم إستراتيجيات ربما تكون متسرّعة عما ستكون عليه ولاية فرنجية في حال حصولها، خصوصاً أنه من أشدّ المتمسّكين بعلاقاته مع النظام السوري والرئيس بشار الأسد.
عشر سنوات مرّت على إنتفاضة الشعب اللبناني ضدّ الإحتلال السوري، وبعد 10 سنوات طرَح الرأي العام داخل «14 آذار» تساؤلات عدّة عن ترشيح فرنجية وسأل «عمَّن يسعى الى إعادة النفوذ السوري عبر طريق قصر بعبدا». كذلك هناك أسئلة عمومية تطرح لعلّ أبرزها: «ماذا سيكون موقف عون تجاه «حزب الله» إذا ما تخلّى عنه لصالح فرنجية؟
ماذا سيكون موقف الدكتور سمير جعجع من تحالفه مع فريق «14 آذار» إذا صحّت رواية فرنجية؟
ماذا سيقول تيار «المستقبل» لحلفائه المسيحيين في «14 آذار»، وهم يكنّون للرئيس سعد الحريري كلّ الثقة؟
ماذا سيكون موقف رئيس الحكومة المنتمي الى «14 آذار» إذا اختلف أو واجه مشكلة مع فرنجية بعد سنة، وإذا خسِر فريقه الإنتخابات النيابية؟
ماذا سيكون ردّ فعل السنّة إذا ما انتخب حليف بشار الأسد الذي يقتل السنّة في سوريا ولبنان؟
وكيف ستكون قبضة «حزب الله» على لبنان بعد وصول فرنجية للرئاسة وذهاب الأسد، وهل ستكون للحزب سيطرة كاملة بالصواريخ والنفوذ والسلاح؟
المحاور الخارجيّة
ويذكر فريق «14 اذار» ما قاله فرنجية قبل نحو عامين: إذا إنتصر محورنا، أيْ المحور السوري- الإيراني، فسأكون أنا رئيساً، وإذا خسِر فعندها تصبح حظوظي صفراً. لذلك نظر المراقبون بعيداً الى سوريا، ليروا ما إذا كان الأسد ومعه إيران و«حزب الله» قدّ حسموا المعركة لصالحهم وإنتصر محورهم وسيطر على كامل الأراضي السورية وانهزم المحور السعودي- العربي في سوريا والمنطقة.
فالسعودية التي قادت «عاصفة الحزم» في اليمن، كيف يمكنها أن تقبل برئيس للبنان حليف للمحور السوري – الإيراني، وكيف يمكنها أن تقدّم لبنان هديّة مجانية لإيران إذا سلّمنا جدلاً أنّ النظام السوري قد ضعف وباتت لإيران الكلمة الفصل؟
هل انهزمت الرياض فعلاً في الحرب الكبرى في سوريا والمنطقة؟ فالرئيس اللبناني سيكون مؤشراً الى ما تتّجه إليه الأمور في المنطقة، وأيّ تراجع أو تراخٍ هو بمثابة بصمة تضحية بلبنان وتركه لقمة ضائعة في فمّ طهران.
وإذا صحّ ما قيل من أنّ السعودية لا تمانع في وصول فرنجية الى الرئاسة، فهذا يعني تغيّراً في ميزان القوى وإنتصاراً واضحاً وصريحاً لمحور طهران على العرب، وبذلك تكون إيران قدّ أطبقت على العواصم العربية وستصحّ نظرية المسؤولين الإيرانيين بأنّ بلادهم تسيطر على العواصم العربية من صنعاء، الى بغداد ودمشق، وتُضاف إليها بيروت التي قد تعطيها إياها السعودية إذا ما وافقت على إنتخاب فرنجيّة.
«14 آذار» والحكومة
لو خاضَ الأفرقاء اللبنانيون الانتخابات الرئاسية على طريقة معركة عام 1970، وانتصر مرشّح فريق على آخر لكانت الأمور أسهل بكثير، لكن أن يأتي قسم من فريق «14 آذار» ويذكّي مرشح «8 آذار» فهذا يعني نهاية الحلم السيادي الإستقلالي، فتسليم الرئاسة الى المحور الإيراني في ظلّ تقهقر «14 آذار»، وعدم إمتلاكها اكثرية في مجلس النواب دونه أخطار كبيرة.
فوصول رئيس من هذا الفريق في ظلّ فائض القوّة لديه، وإمساكه بالأختام الرئاسية يُسقط كلّ الضمانات من أنّ رئيس الحكومة سيعطى الى «14 آذار»، خصوصاً أنّ التجارب السابقة لا تشجّع وكان آخرها الإنقلاب على إتفاق الدوحة وإسقاط حكومة الحريري.
ولو تم التسليم جدلاً أنّ رئيس الحكومة سيكون من «14 آذار» فإنه سيأتي مكبَّلاً خصوصاً أنّ أهمّ صلاحية لرئيس الجمهوريّة هي توقيع تأليف الحكومة، فإذا مرّت أوّل حكومة كما تمّ الإتفاق عليها، فإنّ الولاية الرئاسية هي 6 سنوات، فمَن يضمن أنّ الإتفاق سيستمرّ طوال هذه الفترة.
الساحة المسيحية
رفع الموارنة منذ بداية المعركة الرئاسية في ربيع الـ2014 شعار الرئيس القوي، وإذا شرّحنا كتلة فرنجية المؤلفة من 4 نواب، فإنّها تضمّ النائب اميل رحمة الذي فاز في منطقة بعلبك بأصوات «حزب الله» في وقت نالَ أدنى نسبة أصوات داخل بيئته المارونية في دير الأحمر والجوار، بينما خسر «المردة» معاركه في الكورة عبر الوزير السابق فايز غصن، ولم يحظَ بمرشّح في البترون.
وقد خالف فرنجية في آخر جلسة تشريعية رأيَ الأحزاب المسيحية وقرّر المشارَكة وحيداً قبل ان تحصل التسوية التشريعية. ومن هذا المنطلق، يَحمل بعض الموارنة على فرنجية أنه «كان بين عامَي 1990 و2005 خارج البيئة المسيحية، وما زال حتى الآن يُغرّد خارجها، وبالتالي فإنّه مرشّح لا يمثّل الوجدان الماروني- المسيحي».
يقاطع تكتل «التغيير والإصلاح» الإنتخابات الرئاسيّة بحجّة أنه مع وصول الرئيس القوي، وبالتالي فإنّ إفساح الطريق لفرنجية يعني أنّ التكتل قد ضرب المبدأ الذي سار عليه منذ أكثر من عام و7 أشهر عرض الحائط، مع أنّ أجواء «التيار» لا تشير حتى الساعة الى أنّ العماد ميشال عون سيتنازل لفرنجية عن ترشيحه.
من جهتها، تؤكد مصادر قيادية في «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» أنّ «الكلام عن تسوية تأتي بفرنجية رئيساً هو مِن الخيال وليس واقعياً، إذ إنْ لا شيء ملموساً حتّى الساعة، فالستاتيكو الداخلي والإقليمي القائم ما زال مستمراً ولم ينتصر أحد على أحد في المنطقة».
وتلفت المصادر الى أنّ «مرشحنا للرئاسة هو جعجع، وبالتالي لن نؤيّد فرنجية الذي نحترم ترشيحه»، موضحة أنّ «القوات» لا يمكنها أن تقبل بمرشّح يدعم سلاح «حزب الله» وهو مع المحور الإيراني – السوري، و»8 آذار»، فلم يتغيّر شيء في خطابه السياسي وما زال في اصطفافاته وبالتالي كلّ الكلام عن تسوية تأتي بفرنجية الى بعبدا لا أساس لها من الواقعية وما زالت في دائرة الهمس».
هناك معركة أبعد من رئاسة الجمهورية. لن يقبل قسم كبير من اللبنانيين بأن تفرض عليهم خيارات سيّئة تُعيد لبنان سنواتٍ الى الوراء بدلاً من التقدّم والإرتقاء به الى مصافي الدول المتقدّمة.