كشف إقرار الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بتحول حزب الله إلى «درع لبنان»، عن تبدد رهانات تل أبيب بتحول مشاركته في القتال في سوريا إلى قيد يردعه عن الرد على اعتداءات إسرائيلية محددة
أقر مسؤول الساحة اللبنانية في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بفشل الرهانات السابقة التي احتلت عناوين تقديرات الجهات السياسية والاستخبارية طوال سنوات ماضية، إزاء مآل تدخل حزب الله ومفاعيله في الساحة السورية. وبرز ذلك في الإقرار بأنه رغم تقديمه مئات الشهداء وآلاف الجرحى في سوريا، إلا أن ذلك لم يؤدّ الى إضعاف قدرات حزب الله، بل الى تطور الكفاءات القتالية لعناصره وكوادره.
وبلغ الأمر أن المسؤول الاستخباري أقر بأن حزب الله يستحق «علامة مرتفعة في ما يتعلق بكفاءاته العملانية»، لافتاً الى أنه انتصر في معظم المعارك التي شارك فيها في الساحة السورية.
ومما يميز هذه التقديرات، رغم صدور ما يشابهها على لسان شخصيات ومعلقين سابقين، أنها تصدر عن جهات مهنية معنية بمتابعة مسارات حزب الله ورصدها على مستوى تطور قدراته. ومن أهم المفاهيم التي أقرت بها الاستخبارات العسكرية، أيضاً، أن حزب الله «تحول للمرة الأولى فعلاً الى درع لبنان». وهو ما يتعارض مع كانت تأمله وتراهن عليه بأن يبدو حزب الله في الوجدان العام اللبناني كما لو أنه سبب لتدهور الوضع الأمني، وليس قوة تحمي لبنان من خطر الجماعات الإرهابية.
أما عن الوجهة التي يمكن أن ينعكس فيها تبدد الرهانات العديدة للمؤسسة الإسرائيلية بكل عناوينها، فتجلت بالإقرار بأن حزب الله بات في ضوء تنامي قدراته وتطورها، وامتلاكه هامشاً كافياً في الرد على الاعتداءات الإسرائيلية «على استعداد للمخاطرة»، بمواجهة مع إسرائيل، رغم أنه ليس من مصلحته الدخول في مواجهة واسعة. ويبدو أن هذه الخلاصة ذات صلة مباشرة بالرسائل التي وجهها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، قبل نحو شهر، بالرد بما يتناسب على أي اعتداءات، وصولاً الى استهداف العمق الاستراتيجي لإسرائيل.
مع ذلك، رأى المسؤول الاستخباري أيضاً، أن حزب الله «لا يزال يحرص على أن يكون رده في إطار «قواعد اللعب»، في مزارع شبعا ضد أهداف عسكرية». لكن الخشية في تل أبيب، التي عبّر عنها، من أن يؤدي تبادل الضربات مع حزب الله الى دينامية تصعيد وفقدان السيطرة، وصولاً الى تدهور الوضع على الجبهة الشمالية.
وكان يفترض أيضاً، بأن يؤثر تقليص نفقات حزب الله، بحسب ما ذكر المسؤول الاستخباري، بنسبة تراوح بين 10 و15%، على قدرات حزب الله وهامشه في المبادرة والرد، إلا أن الآمال خابت أيضاً في هذا المجال، كون هذا التقليص انحصر، كما يوضح مسؤول الساحة اللبنانية في الاستخبارات، «بالنفقات الجارية، وبنسبة أقل بما يتصل بخططه لتطوير قدراته العسكرية».
في السياق نفسه، حذر المسؤول الاستخباري الإسرائيلي من قضية تبدو أنها تحظى بالاهتمام الأكبر لدى المؤسستين العسكرية والاستخبارية في تل أبيب، وهي أن حزب الله بعدما تجاوز بناء قدراته الصاروخية من الناحية الكمية، انتقل تركيزه الآن الى تطوير هذه القدرات من الناحية النوعية، لجهة دقة المدى، والمدى الأطول، وقدرات تدمير أكبر. والهدف من وراء ذلك، كما تقرأه إسرائيل، «جباية ثمن كبير من إسرائيل في الحرب المقبلة، وردعها عن الدخول في حرب كهذه، لإدراكها المسبق بالثمن الذي ستدفعه».
وفي ما يتعلق بالساحة السورية، كشف المسؤول المعني بها أن تقديرات الاستخبارات العسكرية تبدلت بعد المساعي الدولية لإنهاء القتال، موضحاً ذلك بالقول: «بعدما كان الحديث يدور عن معركة ليس لها أفق، ومن غير المتوقع حصول حسم في المدى المنظور، بات الحديث يدور الآن حول احتمال التوصل الى تسوية، تعود بموجبها سوريا لتؤدي دورها كدولة». مع ذلك، استدرك المسؤول الاستخباري بالقول: «من المتوقع لهذه الخطوة أن تستغرق أشهراً، وربما سنوات أيضاً، وهي مرتبطة بمتغيرات كثيرة جداً».
ضمن الإطار نفسه، أكد المسؤول الاستخباري أن «تسوية كهذه لن تكون ممكنة من دون روسيا، التي ستحافظ أيضاً على مصالح إيران وحزب الله، وبشكل أساسي على مصالحها عبر الوجود العسكري في الشرق الأوسط، وحفظ قوتها في الصراع بين الكتل، وتحقيق مصالحها الاقتصادية ومنع انتقال الإرهاب الى حدود روسيا». ويبدو من خلال الرؤية أن هذه التقديرات هي التي تفسر الاندفاعة الإسرائيلية نحو روسيا، باعتبارها جهة أساسية مقررة في واقع سوريا ومستقبلها.
وكان لافتاً جداً إقراره المباشر بأن التطلع الإسرائيلي لمنع تام لنقل الأسلحة الى حزب الله، بات غير واقعي. وفي ضوء ذلك، ستسعى إسرائيل الى تقليص هذا الأمر بقدر الإمكان، وصولاً إلى السعي والمطالبة بتأخير ــ قدر الإمكان أيضاً ــ «إعادة بناء الجيش السوري الذي تآكلت قدراته العسكرية خلال السنوات الخمس الماضية».