شعر اللبنانيون بالارتياح وهم يتابعون المصالحة بين الرئيس سعد الحريري واللواء أشرف ريفي بهمّة الرئيس فؤاد السنيورة والوزير المثقف رشيد درباس. لقد كان الكثيرون وتحديداً من حركة 14 آذار يتمنّون ذلك ليس لأسباب سياسيّة متصلة بتفاهم أهل السنّة فقط، بل أكثر من ذلك وأبعد من ذلك، لاستعادة الخط الوطنيّ التاريخيّ القياديّ الذي مثّله ولا يزال يمثّله الشهيد رفيق الحريري في تاريخ لبنان المعاصر.
لا نريد الدخول في أسباب بعض التفسّخ الذي أصاب حركة المستقبل وظهر جلياً في الانتخابات الأخيرة وحاول البعض البناء عليه واستغلاله لتهميش دور أهل السنّة في حياة لبنان السياسيّة انطلاقاً من استراتيجيّة واضحة على صعيد العالم الإسلامي ككلّ وتقضي بالعمل على تقسيم أهل السنّة الذين يمثّلون 85 % من المسلمين في العالم مقابل 15 % يمثّلون الجانب الآخر. وبما أن حروب اليوم، وحروب المستقبل تنطلق من مبرّرات وحسابات خلفيتها ديمغرافية، تحاول الأقليّة دائماً، بعامل مركّب النقص لديها، أن تطرح نفسها بصوتٍ عالٍ ومظهرياً وإعلامياً بأنّها الممثّل الصحيح للاسلام والمسلمين وتطلّعاتهم وخياراتهم وقضاياهم وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة. وقد وجدت الظرف مناسباً لركوب هذه الموجة داخل لبنان في المرحلة الراهنة.
إنّ ارتياح اللبنانيّين عائد أولاً إلى اعتبار المعركة الانتخابيّة في طرابلس محسومة سنيّاًـ وثانياً إلى أن طرابلس عروسة الشاطئ الشرقي للمتوسط ومعقل السنّة ستبقى وفية لهويتها وانتمائها وأصالتها اللبنانية – العربيّة. وثالثاً لأنّ روح ويقظة وإيمان حركة 14 آذار لا تزال حاضرة وفاعلة في ضمير اللبنانيين في طرابلس وكل لبنان.
.. ومع ذلك، فهذا الذي حصل في طرابلس، على أهميّته، هو مجرد مؤشر فقط وينبغي تداركه والعمل لما هو مطلوب، وهو أبعد وأعمق بكثير لأنّ التحدّيات الآتية على أهل السنّة كبيرة وعميقة. ولا تمكن مواجهتها بكلمتي: الاعتدال والوسطيّة فقط. المطلوب أدلجة فكر إسلاميّ حداثيّ جديد تحت عنوان: «نحو مفهوم إسلاميّ جديد لدولة المعاصرة والحداثة». هذا هو المحور الفكري– الفلسفي– الحضاري– السياسي الذي ينبغي أن تنصبّ قوى الفكر والنضال الإسلاميّ على بلورته خدمة لتماسك الجماعة وتأكيداً لدور الإسلام في بناء العالم المعاصر وتطبيقاً للقاعدة القائلة بأن الأمم تبنيها الأفكار وليس الأوهام والتصوّرات الخادعة!