Site icon IMLebanon

مصالحة قيصر وسلطان  وجمع المتناقضات في سوريا

على الطريقة العربية انتهت أزمة وقطيعة بين روسيا وتركيا. الأزمة كانت حادة جداً وبدت أكبر من ردّ على اسقاط طائرة السوخوي في تشرين الثاني الماضي. والنهاية جاءت سلسة ضمن حسابات اقتصادية وسياسية واعتبارات شخصية. رسالة اعتذار أو أسف من الرئيس رجب طيب أردوغان، ومكالمة هاتفية من الرئيس فلاديمير بوتين، فاذا المناخ يتغيّر كلياً. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي اتهم أنقرة بدعم داعش وشراء نفطه المسروق وفتح الممرات الى سوريا أمام الارهابيين وأسلحتهم، يجتمع بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو ويتحدث عن عمل مشترك لمحاربة الارهاب. والطريق بات مفتوحاً لقمة بين بوتين وأردوغان وتفاهمات على حدود الدور الكردي وموقع حلب على رقعة الشطرنج في حرب سوريا.

وبعض السر هو الطابع الشخصي للسلطة. بوتين جعل روسيا دولة الرجل الواحد، أو أقام نوعاً من نظام سياسي شخصي جداً كما تقول أنجلا شتنت مديرة مركز الدراسات الأوراسية والروسية وأوروبا الشرقية في جامعة جورجتاون، وأردوغان الذي يعمل لتعديل الدستور والانتقال الى النظام الرئاسي يطبّق عملياً النظام الرئاسي خلافاً للدستور، ويجعل تركيا دولة الرجل الواحد. قيصر وسلطان. وهذا ما يقود الى سهولة اتخاذ القرار، سواء في سياسة الغضب أو في سياسة الرضى، وأحياناً من دون حساب لمصالح البلد.

وعلى الطريقة الأميركية يلعب بوتين مع جميع اللاعبين على اختلاف مواقفهم، كما يلعب بهم وعليهم. وليس أمراً قليل الدلالات ان تصبح روسيا مركز الاتصال والمحور الذي يدور الكل حوله في الصراع الجيوسياسي الذي مركزه سوريا. والسلسلة مدهشة: اتفاق موسكو – طهران – دمشق خلال زيارة علي شمخاني على تشكيل مجموعة خاصة لمناقشة الأمن والسياسة في سوريا. تنسيق أمني وعسكري مع اسرائيل. غرفة تجميع معلومات في بغداد. تنسيق مع الأردن، والآن مع أنقرة. وفوق ذلك شراكة مع أميركا في مراقبة وقف الأعمال العدائية كما في البحث عن تسوية سياسية، ثم في عمل مشترك مقترح ضد جبهة النصرة وداعش.

وأقل ما يعترف به مدير الاستخبارات المركزية الأميركية جون برنيان هو ان القوات الروسية حافظت على النظام وجعلت الأسد في وضع أقوى، وهاجمت قوى المعارضة المدعومة أميركياً الساعية الى إسقاطه، ولا طريق للتقدم على الجبهة السياسية من دون التعاون الروسي الفعّال.

لكن بوتين ليس لغزاً كاملاً، كما يتصور كثيرون. فما يقوم به ضمن سياسة زرع الشوك على طريق أميركا هو ان تتعامل واشنطن مع موسكو باحترام وندّية في اطار الشراكة. وما يريده في سوريا ومن خلال دوره فيها معلن. والذين يخطئون في قراءة تحركاته التي تبدو متناقضة هم أصحاب الأحلام وأهل الكوابيس.