5 آب 2001 يومٌ مِفصليّ في تاريخ لبنان، خصوصاً أنّ بلدَ الأرز قائمٌ على التنوّع ولا تستطيع أيُّ عائلة سياسية أو دينية إلغاءَ شركائها في الوطن.
لا بدّ في هذا التوقيت بالذات من العودة الى جوهر مصالحة الجبل التي أرسى أسسَها البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، تلك المصالحة التي أزالت ترسّبات «حرب الجبل».
يحكم الموارنة والدروز تاريخٌ طويل من الحروب والألفة، فمن فتنة 1841 ونار الحقد التي غزّتها الدول الخارجية، الى فتنة 1860، وصولاً الى حرب الجبل عام 1983، كلها تواريخ كان الموارنة والدروز «أبطالها»، تواريخ حُفرت في ذاكرة الوطن المريض، ودمّرت كل جميل بُني، من إمارة الجبل التي وصلت حدودُها الى حلب مع الأمير فخر الدين الثاني المعني الكبير وحلفائه الموارنة، وصولاً الى لبنان «سويسرا الشرق» في خمسينات وستينات القرن الماضي، وأيام العزّ والبحبوحة.
لا شكّ أنّ الحروب والديموغرافيا والتغيّرات السياسية والصراعات الدولية أرجعت الموارنة والدروز من الصفوف الأمامية في اللعبة المحلّية الى الخلف، وذلك، لعوامل عدّة أبرزها، أنّ الصراعات الداخلية أنهكت الموارنة. فكرسي رئاسة الجمهورية أضعفتهم بدل أن تكون عاملَ قوّة لهم، كما أنّ حروب الأخوة مزّقتهم، وكان آخرها حرب «الإلغاء»، فيما العوامل الخارجية لعبت ضدهم. فمِن فورة العروبة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وثورة 1958، الى الاجتياح الفلسطيني للبنان، وصولاً الى الغزو السوري، كلها عوامل ساهمت في إضعاف المسيحيين.
أما الدروز، فقد لعبت الديموغرافيا ضدّهم، فهم لم يخسروا الحرب مثل المسيحيين، لكنّ الصعود السنّي والشيعي، وعودة المسيحيين بعد عام 2005 للعب دورهم، ساهم في تراجعهم، ولم يترك لهم هامشَ تحرّك كبير في الوطن الصغير. فدائماً ما كان الدروز يلعبون دوراً في الحرب أكبر من حجمهم.
تطلّ الذكرى 17 لمصالحة الجبل، والدروز في لبنان والمنطقة في وضع حرج، لخّصته مأساةُ السويداء الأخيرة. فما من قوّة إقليمية قادرة على حمايتهم، حتى إنّ روسيا التي تُعتبر صديقة قديمة للبيت الجنبلاطي، لم يرحمها وليد جنبلاط من سهامه، وحمّلها جزءاً من مسؤولية الهجوم، وهدّد بقطع شعرة معاوية معها.
أمّا على المستوى الداخلي، فإنّ النسبية كشفت التراجع الدرزي، فحتى الحزب «التقدّمي الإشتراكي» الذي نال 6 نواب دروز من أصل 8، وترك مقعداً شاغراً للوزير طلال إرسلان، ويُعتبر النائب أنور الخليل حليفه، غير قادر على نيل كامل الحصة الدرزية الوزراية، نتيجة تقدّم قوى أخرى وتراجع دور الدروز.
وبالنسبة الى المسيحيين، فكل المعارك التي خيضت سابقاً تحت عنوان «إسترجاع حقوق المسيحيين» لم تصل الى خواتيمها السعيدة، ولم تبنَ على أسس صلبة، فانتخابُ «الرئيس القوي»، وإقرارُ قانون انتخاب جديد، لم يُشعر المسيحيين بأنهم شركاءُ حقيقيون.
يأتي ذلك، وسط ما تعانيه البلاد من أزمات وحروب، وقد ثبت للجميع، وخصوصاً للأقليات، أنّ الدولة وحدها هي التي تحمي، وأنّ كل المشاريع الأخرى سيكون مصيرُها الفشل، وبالتالي، فإنّه لا ينفع الدروز أو الموارنة أو بقية المكوّنات اللبنانية، إذا كسبوا وزيراً بالزائد وانهارت أسس الدولة، لأنّ الانهيارَ سيشمل الجميع.
في الذكرى 17 لمصالحة الجبل التي أسّست لانتفاضة استقلال عام 2005، يعتبر قياديّون دروز وموارنة أنه لا بدّ من التعلّم من دروس الماضي، والتطلّع الى المستقبل، فأيُّ صدام في الجبل سيؤدّي حتماً الى النهاية السياسية للموارنة والدروز على حدٍّ سواء.
وبالنسبة الى الصدام بين المختارة وبعبدا، فيجب أن يبقى ضمن أطره السياسية، ولا يترجَم توتراً على الأرض، لأنّ مراجعةً بسيطةً للتاريخ، تكشف أنّ العلاقات بين البيت الجنبلاطي ورئاسة الجمهورية تمرّ بفترات صعود وهبوط، كما أنّ الجنبلاطيين في طبعهم لا يحبّذون العسكر في السياسة وحكم الجنرالات.
في الأساس، لا يجب أن تكون هناك حروبٌ بين أهل البيت الوطني الواحد لتحصل المصالحات، لكنّ ذلك لا يلغي حقيقة الواقع السياسي في لبنان والمنطقة، حيث بات السؤالُ الأكبر الذي يُطرح: أين الموارنة والدروز في اللعبة الكبرى؟