IMLebanon

من سيموّل إعادة الإعمار؟

 

ما سيناقشه مجلس الوزراء، اليوم، بشأن إعادة الإعمار، ليس سوى الجزء الإجرائي الذي يتعلق بتوزيع المهام، بعيداً من مسألة أساسية مثل التمويل. فحتى الآن، ليس واضحاً لدى أيّ جهة رسمية في لبنان أن هناك تمويلاً ما آتياً لإعادة الإعمار من أشقاء أو غيرهم، باستثناء ما ستضخّه الجمهورية الإسلامية في إيران من خلال حزب الله. لذا، الآن ثمة تركيز على إطلاق مسح الأضرار رسمياً بما يوازي العملية التي باشرت فيها وحدات حزب الله المدنية في مطلع هذا الأسبوع، وأيضاً هناك تركيز على آليات التلزيم في مجال إزالة الردم وإعمار البنى التحتية المدمّرة ومدى مطابقة القوانين للعقود الرضائية، فضلاً عن نقاش في أسس التعويضات.
في زيارته الأخيرة للبنان ولقائه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، عرض مستشار المرشد الأعلى الإيراني، علي لاريجاني على ميقاتي أن تشارك إيران بشكل رسمي في تمويل إعادة الإعمار. وقد أجابه ميقاتي، بأن إيران على العقوبات الدولية وأنه لا يمكن قبول هذه المشاركة إلا إذا أتت عن طريق المؤسّسات الدولية، مشيراً إلى أنه اتفق مع البنك الدولي على إنشاء صندوق لهذه الغاية تحت إدارة الصندوق وإشرافه. في الواقع، لم يفهم الكثير من ردّة فعل ميقاتي، إلا بوصفها تأتي في السياق الذي اعتادت السلطة على سلوكه في التعامل مع إيران، أي أنها ترفض العروض الإيرانية الرسمية بحجّة المجتمع الدولي. في المقابل، تصرّ إيران على أن أيّ مبادرة يجب أن تأتي أولاً عبر القنوات الرسمية بين البلدين، وإذا تعذّر فإنها تتخذ من حزب الله قناة للإيفاء بوعودها. وبحسب مصادر مطّلعة، فإن نقاشات جانبية أجريت مع العديد من الدول مثل السعودية والكويت والعراق وقطر، إلا أنها لم تصل إلى نتيجة واضحة بعد. فهناك إيجابية مفقودة من السعودية والكويت، رغم أن الأخيرة بدأت تظهر نوعاً من اللين تجاه الأمر، أما في قطر فهناك وعود فقط من دون أيّ التزامات فعلية، ومن العراق اقترحت فكرة أثارت جدلاً واسعاً تقضي بتجميع 600 مليون دولار من رواتب الموظفين العاملين في القطاع العام على عدّة أشهر لتحويلها إلى لبنان للمشاركة في إعادة الإعمار.

ردم البحر في الأوزاعي
يناقش مع خيار مشروع توسيع الكوستا برافا الذي يحتاج إلى 740 ألف
طن من الردم

 

إذاً، ما الذي سيناقشه مجلس الوزراء اليوم؟ عملياً، سيناقش المجلس ما سبق أن نوقش في الاجتماع الذي ترأسه ميقاتي يوم الاثنين الماضي، بحضور رؤساء مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار ووزارة الأشغال والنائبين حسن فضل الله وعلي حسن خليل. في هذا الاجتماع، اتفق على تحديد آليات العمل التمهيدية لإعادة الإعمار. كذلك اتفق على توزيع المهام بين مجلس الجنوب ضمن النطاق الذي يعمل فيه، والهيئة العليا للإغاثة ضمن النطاق الذي تعمل فيه، وتلزيم إزالة الردم وفق عقود رضائية، بما أن قانون الشراء العام يسمح بهذا الأمر في حالة حصول كارثة. أيضاً، نوقشت أسس التعويض الذي سيمنح لكل متضرّر ولا سيما لأصحاب الوحدات السكنية، ونوقشت مسألة ردم البحر في الأوزاعي بركام الضاحية، وعدد الوحدات المدمّرة وسواها من التفاصيل، لكن المسألة الأهم لم تناقش انطلاقاً من غياب معطيات واضحة بشأنها. ورغم أنه تردّد بأن لدى الحكومة قدرة على إنفاق 1.5 مليون دولار على إعمار البنى التحتية، على أن يتم تمويل المبلغ مما تدخّره في حسابها لدى مصرف لبنان ومن إعادة توجيه بعض المساعدات المالية مع البنك الدولي، إلا أن أكثر من وزير في الحكومة قال لـ«الأخبار» إن المسألة ليست بهذه السهولة، إذ إن المبلغ الذي يمكن الحكومة أن تنفقه ليس كبيراً كما يعتقد ربطاً بحجم ما هو متوافر وبما سينتجه من تداعيات نقدية، لكن الثابت أن الحكومة سيكون عليها التزام مرتبط بإعمار البنى التحتية في الكهرباء والمياه والاتصالات. أما بشأن إعادة توجيه القروض والمساعدات الدولية، ولا سيما من البنك الدولي، فإن بعض القروض تتضمن بنداً يتيح اقتطاع 10% تحت مسمّى «المساعدات الطارئة»، وهذه مبالغ لا يمكن أن تزيد عن 25 مليون دولار.
ما سيناقش فعلياً، هو ترتيب الأولويات اللوجستية. البدء بمسح الأضرار هو أولوية، وإلى جانبها البدء بإزالة الردم، ثم إطلاق مرحلة التعويض وإعادة الإعمار. المباشرة بمسح الأضرار في بيروت والبقاع مسألة باتت متاحة، إنما هي ليست متاحة في كل الجنوب بعد في انتظار انسحاب العدو من كل الأراضي التي دخلها أو سيطر عليها بالنار. لكن مسألة إزالة الردم تعدّ حيوية جداً، لأن الإزالة تعني «تنظيف» المساحات من الركام الذي يتراكم في العقارات الخاصة، ممتداً إلى الأملاك العامة. والإزالة تعني أنه يجب تحديد من سيقوم بالإزالة، وما سيقوم به، وأين سيوضع الناتج. عملية التلزيم ستكون بالتراضي، وستنفذها كل جهة ضمن نطاقها، أي مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة، لكن بأيّ كلفة؟ هل سيسمح للملتزم بأن يحصل على الناتج من الردم وبيعه؟ فحتى الآن، يقدّر أن في الضاحية وبيروت ردماً بحجم إجمالي يبلغ مليوني متر مكعب وفيه أطنان من الحديد والألمنيوم والنحاس. يقال إن هناك عروضاً وردت إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من شركات أجنبية مهتمة بإزالة الردم مجاناً مقابل الحصول على الناتج بعد نقله وفرزه وطحنه. وعلى افتراض أنه تم الاتفاق على إجراءات التلزيم، فإلى أين سيتم نقل الردم؟ هل سيتم ردم بحر الأوزاعي فيه كما ترغب بعض فعاليات المنطقة، أم أنه سينقل إلى مكبّ الكوستا برافا الذي يحتاج من أجل توسعته، وبقرار من مجلس الوزراء، إلى 740 ألف طن من الردم؟ النقاش بهذا الشأن يتعلق بسؤال حول الجهة التي ستؤول إليها العقارات المردومة.
سيجري نقاش كل هذا الأمر من دون أي فكرة عن تمويل مشروع إعادة الإعمار، وما ستكون حصّة كل طرف فيه من الدولة إلى الدول المانحة وإيران وحزب الله. ستناقش مسألة التعويضات للمساكن المتضرّرة، لكن أيضاً بلا أي افق، باستثناء ما أعلنه حزب الله أخيراً من أنه سيغطي الفروقات. ثمة مسألة أساسية تتعلق بإدارة مشروع إعادة الإعمار، فهل سيكون هناك نقاش في مشاريع إعادة إعمار تعيد إنتاج مشروع وعد لإعمار الضاحية بعد عدوان 2006، أم سيظهر نموذج جديد من إدارة المشاريع؟ أم أن الدولة غائبة عن نقاش كهذا أصلاً؟ الوقت يدهم الجميع، فالتقديرات أن إعادة الإعمار مشروع متوسط المدى، وكلما اقترن بتمويل له شروط سياسية كما يتوقع، وفوقها آليات روتينية وبيروقراطية أو ذات رقابة دولية، سيمتد المشروع أكثر في الزمن.