IMLebanon

أيّهما يسبق… إعادة الإعمار أم الانهيار؟

 

إحتل الكلام عن “إعادة إعمار ما دمره إنفجار المرفأ الرهيب في بيروت” حيزاً مهمّاً من خطاب التكليف الذي ألقاه الرئيس سعد الحريري من بعبدا. فمثله مثل بقية المشاريع يعتبر هذا الملف جزءاً مهماً من المبادرة الفرنسية، وهو رهن بوجود حكومة قادرة تضع قطار الاصلاحات على سكة التنفيذ. إلا ان الفرق مع غيره من المشاكل انه لا يحتمل التأخير وقد يترتب على إهماله نتائج وخيمة.

 

ما سَلم جزئياً أو كلياً من الانفجار المزلزل في الرابع من آب، سيكون عرضة للهزات الإرتدادية مع بداية فصل العواصف والأمطار. مئات الأبنية الحديثة والتراثية حالت الأزمة الاقتصادية دون ترميمها. فتركتها الغاماً قد تنفجر في أي لحظة في وجه قاطنيها وسالكي الشوارع التي تمر بمحاذاتها. فـ “من أصل 2509 مبانٍ تمتد من منطقة المدور مروراً بالرميل وصولاً حتى الصيفي، يوجد 323 بناية مهددة بالانهيار الكلي أو الجزئي، و254 بناية معرضة للإنفصال في بعض اجزائها. كما ان هناك أكثر من 100 مبنى تراثي عرضة للانهيار الشامل، من أصل 360 مبنى، يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر حتى الثلاثينات من القرن الماضي، تعرضت لأضرار بليغة. وذلك بحسب ما يفيد التقرير النهائي لـ “المسح الانشائي للأبنية المتضررة”، الذي تكفّلت به نقابة المهندسين في بيروت. وإذا أضفنا المباني التي تشوبها تشققات في بعض عناصرها وتحتاج إلى اصلاحات جذرية، فان الرقم العام للمباني التي تشكل خطراً على السلامة العامة يرتفع إلى حدود 1120 بناية.

 

الأعمال تقتصر على التدعيم

 

“حالة هذه الأبنية تختلف اليوم عما كانت عليه فجر الخامس من آب”، بحسب نقيب المقاولين مارون الحلو. “فقد جرى تدعيم نحو 80 مبنى أصيبت بأضرار بالغة مباشرة بعد الانفجار، بطلب من مديرية الآثار وعلى نفقتها الخاصة. كما قامت بلدية بيروت أخيراً وبالتنسيق مع المحافظ بطرح التزام للتدعيم فقط، يطال بقية المباني المعرضة للإنهيار بسبب الانفجار”. وبحسب المعلومات فان البلدية قسمت المناطق المتضررة إلى 10 قطاعات ووضعت لكل قطاع التزاماً عرضته على طريقة المناقصة للشركات الراغبة في التقدم، لاستكمال أعمال تدعيم المباني المتضررة والآيلة إلى السقوط. ومن المفروض أن تجهز العروض في غضون أسبوع من اليوم، لتنطلق الورشة قبل بدء فصل الشتاء.

 

بعد نحو 3 أشهر على انفجار المرفأ ما زال البحث يتركز على التدعيم، ولا يوجد أي مبادرة جدية لإعادة البناء أو الترميم. فالدولة بصفتها المسؤولة الأولى عن الأضرار والجهة الأقدر على التعويض عن المتضررين ومساعدتهم على إعادة البناء، تقف عاجزة بمختلف أجهزتها عن تقديم يد العون، خصوصاً بعدما جرى تطويقها من الخارج وحظر استلامها لأي مساعدات. فيما الحمل الثقيل أُلقي على عاتق جمعيات المجتمع المدني التي اكتسبت الثقة الدولية في استقطاب المساعدات وتوزيعها على المتضررين. إلا ان هذه المساعدات التي كانت بمعظمها عينية، وقد جرى توزيعها بالكامل باشراف الجيش اللبناني، تعتبر “غير كافية”، من وجهة نظر الحلو. “إذ انه باستثناء كلفة إعادة إعمار المرفأ، فان تكلفة ترميم المباني وإصلاحها تبلغ 1.2 مليار دولار. وهو رقم يتخطى حجم المساعدات وقدرة الجمعيات، ويتطلب تدخلاً مباشراً من الدولة”.

 

أمام هذا الواقع اضطر الكثير من اصحاب الشقق والمحال والمؤسسات التجارية، وتحديداً في منطقة الأشرفية، إلى تحمل أكلاف أعمال التصليح بأنفسهم، بعدما فقدوا الأمل من أي مساعدة قد تأتيهم من الدولة. أما في مناطق الكرنتينا والبدوي والمرفأ فهناك جمعيات ناشطة تساعد الاهالي في اصلاح بعض الاضرار إلى حد ما. لكن عمل هذه الجمعيات على أهميته يبقى ناقصاً امام حجم الاضرار. وبرأي حلو فان “هذا الواقع سيؤخر عمليات الترميم والإصلاح. خصوصاً ان تدخل الجمعيات يقتصر على معالجة الأضرار الخارجية من تركيب الأبواب والنوافذ ومعالجة التصدعات، فيما يترك الشق الداخلي للمالكين أو المستأجرين. وفي ظل الظروف الإقتصادية الحالية فان قسماً كبيراً يقف عاجزاً عن اتمام عملية الترميم والاصلاح”. أما في ما خص الابنية التراثية فان وضعها يعتبر أصعب خصوصاً ان ترميمها يتطلب بحسب حلو، “دراسات مفصلة وشركات مختصة. وقد تتطلب وقتاً لا يقل عن 3 سنوات”.

 

الأمل بـ”التأمين”

 

الأضرار الكبيرة التي طالت الابراج السكنية وغيرها من المؤسسات بعشرات الملايين من الدولارات، ما زالت تنتظر صدور التقرير الرسمي عن الإنفجار. فعلى أساس هذا التقرير يتحدد موقف شركات التأمين من دفع التعويضات على المتضررين. وبحسب الحلو فان “غرفة بيروت والهيئات الاقتصادية قد توصلت إلى اتفاق مع شركات التأمين بدفع نسبة من الأضرار تتراوح بين 60 و 80 في المئة بالدولار النقدي FRESH DOLLARS، وذلك بحسب طبيعة بوالص التأمين. وهو ما سيشكل برأيه “فرقاً كبيراً جداً، ويساعد المتضررين على المباشرة فوراً بأعمال التصليح. فالمسوحات والكشوفات قد اجريت بشكل كامل ودقيق، وأودعت شركات التأمين. وعليه فان دفع التعويضات سيبدأ فور صدور التقرير الرسمي. الأمر الذي سيحدث نقلة نوعية في أعمال الصيانة والترميم”.

 

المشكلة انه لغاية الساعة لم يصدر تقرير الإنفجار، والثقة بالدولة ما زالت معدومة لتقديم المساعدات، وليس من المعروف إن كان التدعيم سيطال كل المباني المتضررة وبالسرعة المطلوبة قبل بدء فصل الشتاء. لذلك تبقى توصيات نقابة المهندسين بإخلاء 180 مبنى وتدعيم 389 وعزل 100 أخرى جرس إنذار معلقاً بـ”رقبة” المسؤولين. فهل من يسمع ويستجيب؟