“جوقة الجيش الأحمر” قريباً في لبنان… انه اعلان تلفزيوني يتكرر على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال “ال بي سي” عن اقامة الفرقة الموسيقية الروسية الشهيرة حفلات لها في بيروت، مع مقاطع من المعزوفة الشعبية الروسية الأشهر “كالينكا” وغيرها من الأناشيد التي يمجد بعضها بطولات الجنود السوفيات في الحرب.
الحدث ثقافي ولا علاقة له بالسياسة، ولكن مع الضجيج العالمي الذي احدثه نزول وحدات من الجيش الروسي في سوريا، يشعر المتلقي للاعلان لدى سماعه أصوات المنشدين والمنشدات على وقع الجزم العسكرية الروسية هنا في لبنان حتى قبل وصول الجوقة الى بيروت.
منذ خلو القصر الجمهوري في بعبدا واستفحال الازمة السياسية عندنا، لم تتغير المعزوفة اللبنانية وهي تتكرر حتى الملل: لا حل في لبنان الا بعد الحل في سوريا، والاضافة تأتي: لا حل في سوريا قبل التوافق الاقليمي واعادة الوصل بين ايران والسعودية، فصار مفتاح الفرج في لبنان انتظار صورة تجمع أي مبعوث للملك في الرياض مع أي ممثل للمرشد في طهران.
عندما يحضر الجيش الروسي في سوريا يحتل قيصر الكرملين الكرسي الامامي في المسرح السوري ولا يجاريه في المكانة إلاّ الاميركي الذي آثر الغياب لاسباب بعضها معلوم واكثرها مجهول. وعندما يتقدم اللاعب الكبير يتراجع الى الوراء كل اللاعبين الآخرين بمن فيهم الاصدقاء والحلفاء، فهو الاقدر على رسم حدود الحرب والسلم ونقل اوراق القوة والمقايضة من جيبهم الى جيبه، فموسكو التي اختبرت بنجاح في الاتفاقين الكيميائي السوري والنووي الايراني ومهدت الطريق لعودة السعودي الى اليمن، هي الاجدر بعقد الصفقات الكبرى مع اللاعبين الكبار وطبخ التسويات.
روسيا الآن تمشي على حبل رفيع فوق الفضاء السوري المفتوح على الحمم والبراكين، و”الاكروبات” بوتين يعرض كل مهاراته والفنون. فإذا فشل في ارضاء كل المتفرجين والمنتظرين، قد يسقط في الحمم ذاتها باستدراج كل المتضررين ضده. أما اذا نجح في تجاوز الاختبار الصعب بتحقيق تسوية مقبولة لدى الجميع تضمن التوازن المطلوب محلياً واقليمياً وتضمن حقوق الاقليات ولا تكون على حساب الاكثرية وتحفظ ما تبقى من مؤسسات الدولة، يمسك بمفاتيح الحل ليس فقط في الازمة السورية بل في تفرعاتها أيضاً بما في ذلك اللبنانية، وعندها يمكن استبدال “الالف” الايرانية بـ “الراء” الروسية لارساء معادلة سياسية جديدة في سوريا ولبنان معاً، وعندها يصير ملء الفراغ في قصر بعبدا أسلس على أنغام “الكالينكا” والجوقة الحمراء.
هكذا كرم يلزمه دب كهذا.