IMLebanon

الخطوط الحمر

 

ليس سراً أنّ الرئيس ميشال عون حريص على أن تكون الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري. وليس فقط لأنّ مفاعيل التسوية الرئاسية كانت لا تزال قائمة حتى ما بعد الإستشارات النيابية التي عُقدت في قصر بعبدا وأعطت رئيس تيار المستقبل أكثرية نيابية كبيرة جداً، بل لأنّ الجنرال يَكِنُّ للشيخ سعد شعوراً صادقاَ ومحبّة أبوية. ولعلّنا، وآخرين، استمعنا الى فخامته، مباشرة، يقول: «الرئيس سعد هو بمثابة إبني».

 

وفي المقابل، كذلك، أنّ الرئيس عون تكوّن لديه إنطباع راسخ بأنّ هناك من لا يريد للرئيس الحريري أن يشكّل الحكومة. ولا يكتفي الرئيس في هذا الإنطباع عند هذا الحد بل يذهب الى أبعد عندما يسمّي جهات داخلية وخارجية يجزم، هذه المرة، بأنها تريد تفشيل الحريري في التشكيل.

يعرف الرئيس أن عهده مستهدف بالعرقلة. ولكنه في المقابل يرى أن الحريري هو المستهدف أيضاً. ويرى أنّ الرئيس المكلّف يعرف هذه الحقيقة معرفة تامة، سيّان أتحدّث عنها أم لم يتحدث. ثم يستغرب أن يكون مسار التأليف لا يتناول هذا الواقع. ومن ثم يدعو الرئيس الحريري لأنّ يقدِّم له التشكيلة التي يريد. وعندئذ يُبنى على الشيء مقتضاه.

وفي سياق مواز لاشك في أن إرتفاع سقف المواجهة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية دخل مرحلة تلامس الخطوط الحمر إن لم تكن تتجاوزها. خصوصاً بعد الكلام الذي أدلى به الدكتور سمير جعجع من خلال برنامج بموضوعية مع الزميل وليد عبّود عبر شاشة قناة تلفزيون MTV. وقد صنّف قياديو التيار ومنظّروه أقوال جعجع بأنها «ذروة» الحملة القواتية في المواجهة، ما استدعى، في المقابل، حملة ردود توزع مطلقوها بين وزراء ونواب وقياديين في التيار وأيضاً في تكتل لبنان القويّ. وأمّا رئيس التيار والتكتل وزير الخارجية جبران باسيل فذهب في رده المختصر جداً، عبر تغريدة (على موقع تويتر) الى حدّ إتهام جعجع والقوات عموماً بالعمل على إضعاف الطيف المسيحي الذي شعر باستعادة بعض من قوّته مع وصول العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة. طبعاً التياريون لم يتوقفوا عند تكرار جعجع كلامه عن الحرص على العهد وسيدّه، واعتبروه تمويهاً لتمرير حملته القوية (الخ…).

هذه «المعركة» المفتوحة، التي تبدو من دون أفق حتى الآن، سوى إعادة إضعاف المسيحيين، بالسياسة حالياً بعد إضعافهم بالسلاح (إقتتالاً في ما بينهم) إتخذت أبعاداً خطرة جداً إن في الرأي العام المسيحي أو في القيادات والمرجعيات الروحية العليا. ويسجل حراك في هذا المجال استعداداً لعودة غبطة البطريرك الكاردينال بشارة الراعي من زيارته الى الخارج، لدعوته الى مبادرة قد يكون من شأنها أن توقف هذا التدهور في الوضع المسيحي الذي ينعكس، حكماً، تدهوراً على الوضع اللبناني العام. وهذا ما أثبتته التجارب المرّة التي تكشّفت عن أن غياب الدور المسيحي الفاعل لا ينتج عنه إلاّ عدم الإستقرار على الصعيد الوطني عموماً.

وأما تقزيم المسألة بحقيبة من هنا أو بموقع من هناك فما هو سوى ذرّ للرماد في العيون، ومحاولة تغطية سماوات المطامح والمطامع والأبعاد والإرتهان بقبوات الكلام على الحصص ومشتقاتها.