IMLebanon

خطوط حمر، داخليا وخارجيا

 

الدفع باتجاه الخطوط الحمر منطلق إلى الأمام في أكثر من موقع محلي وإقليمي ودولي، وكأنما الدنيا تغلي وتتهيأ لأحداث جسام، وكأنما العالم بأسره، بات مصابا بحمّى الهيجان والتوقد، وكأنما الخطوط الحمر والدفع إليها باتت السبيل الأوحد لتحقيق غايات البلدان الكبيرة والصغيرة المشاركة فيها، مع فارق «مهم» يتمثل في كون البلدان الصغيرة هي العرضة لتحمل أذى الحرب والنيران، وشعوبها هي التي لا حول لها ولا طول، قد أصبحت في صلب الكوارث والمصائب، وهي تعاني قتلا وذبحا ودمارا وخطفا في غياهب المقابر وظلمات السجون، وأكثر البلدان التي ينطبق عليها هذا الوصف المخيف وهذه الحقيقة اللاإنسانية وصفاتها المرّة بكل جوانبها، تتجلى خاصة في سوريا المنكوبة التي غابت عنها منذ ما يناهز السبعة أعوام كل احتضانات الشفقة والرحمة ومراعاة حقوق الإنسان بأطفاله ونسائه وشيوخه، وكل أفراده شيبا وشبانا، وبالرغم من أن عمر المأساة السورية قد وصل إلى مرحلة زمنية متقدمة، تقاس بالسنوات الطويلة التي تتسارع إلى حدود عقد من الزمان، إلاّ أننا ما زلنا نشهد على مسارحها الدموية أحوالا تتبدّل وتتحوّل وتأخذ أشكالا وتتخذ لها أبطالا جددا وغزاة متجددين وعساكر دول تنط وتحطّ في غفلة من الزمن لتصبح مستعمِرا جديدا في دولة لطالما عانت من استعمار قديم، هكذا وخلال سنوات دخلت في عامها الدموي السابع، حيث أضيفت إلى مظالم النظام السوري القائم، هجماتٌ عديدة على هذه الأرض التي داخلتها الزلازل العسكرية والإنسانية والسياسية، فبعد خط أحمر تجاوزته إيران ودخلت من خلاله إلى صلب المأساة «سورية»، ها هي والميليشيات الملحقة بها، وبعد خط أحمر لاحق، تجاوزته روسيا وأطبقت من خلاله على رأس هذا البلد المنكوب، وأضحت مستعمرا أساسيا، بكل ما للكلمة من معنى، بيده الأمر والفعل وهو على كل شيء قدير.

وبعد طول غياب شبه كامل، عن الساحة السورية خاصة، وعن المنطقة عامة، كما كان الوضع واضحا وفاضحا من خلال سياسة وممارسة الولايات المتخذة في عهد أوباما، الراحل بلا رجعة، بعد أن كان مدخلا سهلا ومسهّلا لكل الأحداث، في عهد ترامب، ها هي أجهزتها المخابراتية والإدارية تعود للعمل النشيط، فوضعت أياديها وأرجلها على الأرض السورية، وخصصت نفسها بما ينفعها من الأرض والنفط والغاز ومسايرة حلفائها الأقدمين، الأكراد. وها هي الخطوط الأميركية الحمراء، تتوالي في مراحل زمنية قصيرة نسبيا، فدخول الولايات المتحدة إلى هذا البلد المنكوب، ومشاركتها للأكراد في عمليات الاحتلال والاقتحام والتطهير العرقي، وإقامتها لقواعد عسكرية متعددة الأشكال والأنواع في مناطق سورية منتقاة مع تصريحات تنافس في وقاحتها، وقاحة الروس والنظام الإيراني والميليشيات الإيرانية، كانت سلسلة من الإنذارات الأميركية للجميع من خلال جملة من الخطوط الحمراء وضعتها الولايات المتحدة في مدة من الزمن، ليس فيها ضوء من شمس ولا قمر، لتؤكد للروس أولا وللعالم كله ثانيا، وبأنها هنا، وأنها شريكة في الوليمة الدسمة التي باتت «شركة فعلية» ما بين آكلي لحوم وثروات البشر، وهو خط أحمر جديد، يطلقه إلى الوجود جملة من الوقائع والمستجدات المعبرة.

إسقاط طائرة السوخوي الروسية بصاروخ «مجهول الهوية»، حتى الآن، وروسيا تضعه في إطار مسؤولية الولايات المتحدة سواء أكان الذي أسقط الطائرة صاروخ أطلقه الأميركيون أم صاروخ أطلقته المعارضة السورية من صنع أميركي. بذلك وفي مطلق الأحوال، بدأ تعامل مستجد مع هذه الواقعة، يذهب إلى اتهام الولايات المتحدة بأنها بشكل أو بآخر، وراء هذا «الإنذار الأحمر».

يضاف إلى هذا الخط المستجد الذي ينبه الروس إلى الوجود الأميركي على الأرض نفسها وعلى المائدة نفسها، ذلك الصاروخ مجهول الهوية حتى الآن الذي أُطلق من جهة ما على القوات التركية وأدى إلى تدمير دبابة وقتل خمسة جنود أتراك، وفي كلا الحالتين المشار إليهما أعلاه توحي الوقائع بأن المعارضة والمقاتلون الأكراد قد بات بحوزتهما تلك الأسلحة المتطورة نسبيا، والتي لها تلك الفعاليات التي قضت على دبابة وجنودها، وطائرة وطيارها، ويتم التوجه والاتهام في كلا الحالتين إلى الولايات المتحدة بأنها تغامر بالخطوط الحمر والإنذارات الحمراء وتضع نفسها والآخرين على خطوط الهاوية، وأنها باتت مهيمنة على كثير من الأوضاع وتستعد أكثر فأكثر، إلى مجابهات قد تكون أدهى وأشد خطرا على كافة الجبهات والجهات.

أما في لبنان، فما يحصل ينمّ عن حالات عجيبة غريبة، إضافة إلى خطورتها والدفع بها إلى قرابة الساحات الحمر والخطوط الحمراء. إسرائيل وموقفها المتجدد والمتعلق بالثروة البترولية وبلوكات الغاز التي تطمع وتعمل وتتهيأ لمجابهة لبنان من خلالها مشفوعة ببناء جدار على الأرض اللبنانية يهيئ لها سهولة ما في قضم ما يناسبها من المناطق التي تحتوي على الثروة الغازية وهذا ما يشكل خطا أحمر جديد ما بين لبنان وإسرائيل وقضية وطنية مشتركة ما بين جميع اللبنانيين، أدى بهم بالنتيجة إلى تكبير عقولهم، والتنبه إلى ما بات يواجههم من أطماع وأخطار، فهل يستمر الخط الأحمر الجديد في إطارات التوعية التي خلقها والتي أدت إلى التراجع عن عنجهيات محلية واسعة أختلقها بعضهم تمهيدا للوازم الإنتخابات وشؤونها وشجونها والنتائج المنتظرة منها، وها هي اليوم تكاد أن تطبق على أعناقهم جميعا؟

وحسناً فعل المسؤولون لدينا من خلال لقاء القمة الرئاسية الثلاثية التي عقدت يوم الثلاثاء الفائت والتي فرملت على ما يبدو كل الإندفاعات السلبية التي شهدتها الأيام الأخيرة وكادت أن تؤدي إلى عودة ما إلى أيام مشؤومة عاشها الوطن على مدى سنوات الحرب الأهلية، لا ردها الله. إلاّ أننا، ومع كل الفرملة والتقدم الحاصلين، ما زلنا نتحسب لنتعات غير محسوبة قد تعيدنا، لا سمح الله، إلى نقطة الصفر.

خطوط حمراء في كل مكان، وفي ما خص لبنان منها، لنقف بها عند هذا الحد. كفانا حمرة واحمرارا في الرؤوس وفي النفوس وفي المواقف الطائشة.