Site icon IMLebanon

ولّت أيّام “الحذاء الأحمر” و”باتا”… واللبنانيّون قريباً حفاة

 

نائب “حزب الله” إشترى وباع في القطاع

 

 

بلى، الدنيا “قايمة قاعدة” لكن بما أن الحياة عموماً، وفي لبنان بالأخص، منهكة، فبمجرد أن ننتعل الحذاء صباحاً يُعدّ إنتصاراً. لكن، ماذا لو أصبح هذا الأمر البديهي مجرّد أمنية؟ نعم، فتّشوا في خزائنكم عن أحذيتكم القديمة فالإستيراد بات محالاً وصناعة الحذاء الوطنيّ صارت في الإنعاش، “على الأوكسيجين”، وقد تصلون الى يوم قريب تصبح فيه ترميمات “الكندرجي” رفاهية!

كما قال محمد الماغوط ذات يوم “لا شيء يربطني بهذه الأرض سوى الحذاء”. والحذاء “الخلنج”، كما تعلمون، لم يعد متوافراً. فامتلاك حذاء في زمن القحط صار حكراً لهم، للفاسدين على هذه الأرض. وقبل فهل نخلع من قدمينا آخر ما امتلكناه من أحذية ونتحرر من هذا “الوطن” الذي لا يعرف من نصبوا أنفسهم “أسياداً ” فيه سوى صبّ الزيت على نار ما بقي من جدران غير موصدة؟ وماذا عن “إمكانيات” الحصول على الحذاء الذي بات لازماً الآن أكثر من أي أوان بعدما استغنى (وسيستغني آخرون بعد) أكثر فأكثر عن مركباتهم ويمشون بلا هوادة على الطرقات المتعثرة؟

 

اليوم، يوم غضب؟ قطاع النقل البري دعا لإحيائه. لكن، ماذا عن قطاع عمال الأحذية والجلود وصناعيي الأحذية في لبنان؟ مرتاحون؟ وضعهم “باللوج”؟ ما دام حتى الحذاء قد أصبح أكبر من قدراتنا فلنسأل عنه. فلنبحث عن أقرب “كندرجي” سيصبح وجهتنا المقبلة. فلننتعل ما يتوافر من أحذية ولنبحث عما صمد من مصانع وعمال صناعة الأحذية.

الحذاء في العناية الفائقة!

 

كيفكم؟ سؤالٌ أوّل طرحناه على رئيس نقابة عمال صناعة الأحذية والجلود في لبنان رضا سعد فأجاب بحسمٍ وبكثير من الجزم: “في العناية الفائقة”. ماذا يعني ذلك؟ أجاب “من سيئ الى أسوأ. كنا نعاني فأصبحنا عدماً. كان يدخل بين سبعة وثمانية ملايين زوج حذاء صيني سنوياً والدولة لم تبادر الى فرض رسم جمركي نوعي لكننا قمنا بحراك مطلبي في العام 2002 فأقرّ الرسم لكن مشوهاً. وبقي الإستيراد على حاله. طالبنا بفرض الرسم على الحذاء المستورد نفسه ففرضوه على كامل الكونتينر، علماً أنه يحق للدولة بموجب المرسوم الإشتراعي الصادر في العام 1967 أن تحد من دخول أي سلعة تنافس الصناعة الوطنية وذلك للحفاظ على الإقتصاد الوطني. ودارت الدنيا دورتها وها نحن الآن في الحضيض. دولتنا للأسف مع الفساد والهدر. فها هي المستوعبات تدخل تحت مسميات أحذية بلاستيكية أو مواد اولية. دمروا القطاع مع العلم أن دراسة سابقة أجريناها أكدت أن صناعة الأحذية الوطنية كانت تُدخل الى البلد 9 في المئة من الناتج الوطني. والحذاء الأحمر “ريد شوز” كان يُصدّر الى إيطاليا ويضاهي الصناعة الإيطالية”.

 

كل شيء في البلد يحتضر حتى الحذاء. لكن ورش تصنيع الأحذية الوطنية تقفل تباعاً. والمعامل الكبيرة أصبحت بعدد اصابع اليد. النقيب سعد، وهو من بنت جبيل، يقول: “حتى معمل صناعة أحذية باتا الوطنية في الدكوانة أقفل. والأزمة الى استفحال ما دام العامل يتقاضى على صناعة زوج الأحذية على سعر الصرف الرسمي. إنه يتقاضى دولاراً ونصف الدولار على صناعة زوج الأحذية أي ما يعادل 2250 ليرة لبنانية. وهو قادر على أن ينجز 24 زوجاً في اليوم الواحد أي 36 دولاراً على سعر 1500 ليرة للدولار الواحد. فكيف يصمد؟ لذا طالبنا، ونطالب، بأن يحصل على ما يستحق بالدولار وفق سعره في السوق أي 30 ألفاً على زوج الأحذية الواحد. والعامل يعض على جرحه لأن لا مكان آخر ينتقل إليه”.

 

لبنان كان يستورد من الصين وهذا ما خلق أزمة قبل الأزمة. أما الحذاء الأوروبي فلا ينافس في الداخل اللبناني لأن له زبائنه. أما الوطني فتلاشى أمام الإستيراد من الصين. قطاع الأحذية لم يستطع يوماً منافسة الأحذية المستوردة من الصين. ويقول سعد “في السبعينات كانت غالبية المصانع القائمة في سد البوشرية وبرج حمود. وكان العمال ينزلون إليها من الجنوب ويسكنون في المحيط ليعملوا. ويوم وقعت الحرب اللبنانية أصبحت المعامل والآلات في مكان والعمال في مكان آخر. وفي ثمانينات القرن الماضي افتتحت معامل كثيرة في بنت جبيل والضاحية الجنوبية. وكان عدد العائلات التي تعمل في القطاع نحو أربعين ألفاً. البيارتة اشتغلوا أقل من سواهم في القطاع. واليوم أتت الضربة القاضية ونحرت القطاع عن بكرة أبيه”.

 

الصيني يفوز

 

يتذكر نقيب عمال صناعة الأحذية والجلود في لبنان أن المصانع اللبنانية ما عادت قادرة على منافسة الحذاء الصيني فراحت تستورد من هناك وتضع لوغو صناعة لبنانية عليه وتعود وتصدره. فالحذاء الصيني كان يصل الى لبنان بسعر 3 دولارات ونصف. وهو لا يتمتع بالجودة وينتج عنه رائحة قدمين لكنه صعب أن ينافس”.

 

أمرٌ آخر يتوقف عنده سعد وهو نائب “حزب الله” في بيروت الحاج أمين شري كان قبل أن يصل الى الندوة البرلمانية، في العام 2005، رئيس نقابة صناعة الأحذية في لبنان وساهم في حث أكثر من 100 تاجر على ذاك الفعل، أي على الإستيراد من الصين والتصدير على أن الحذاء لبناني. ساهم شري في تدمير قطاع صناعي عريق ليستفيد مع التجار الآخرين. وقد حصل كباش شديد بينه وبين الصناعيين لكنه انتصر.

 

عدد العمال في هذا القطاع لا يزيد اليوم عن ألفين أو ثلاثة آلاف. وعدد المصانع بحسب إحصاء العام 1992 كان 1200 بين مصنع كبير ومصنع وسط وورش صغيرة أما اليوم فلا يزيد العدد على كل مساحة الجمهورية اللبنانية عن 200 ورشة بينها أقل من عشرة معامل متوسطة أو كبيرة.

البوابة التركية

 

الإستيراد من الصين تراجع لأنه يتطلب فتح إعتمادات ومعاملات مصرفية و”فريش دولار”. ألا يرتدّ ذلك إيجاباً على القطاع؟ يحيى بيضون، عضو تجمع صناعيي الأحذية في لبنان، يؤكد ما جاء على لسان سعد ويقول “المعامل باتت قليلة جداً والإستيراد أيضاً تراجع أما التهريب فيحصل من خلال البوابة التركية “قد ما بدكم”. التجار يشترون عبر الإنستغرام والفيسبوك من تجار أتراك مقابل رسم جمركي لا يتعدى الدولارين ونصف الدولار عن الحذاء الرجالي ودولار ونصف عن الحذاء النسائي” ويستطرد بالقول “قبل خمسة عشر عاماً كان في الضاحية الجنوبية وحدها 400 مصنع أحذية وانخفض قبل خمسة اعوام الى 50 مصنعاً وأصبح حالياً أقل من عشرة معامل”.

 

كان القطاع يُصدّر نحو 95 في المئة من الصناعة الوطنية الى المملكة العربية السعودية وخمسة في المئة فقط تباع في الداخل اللبناني. أما الآن، بحسب بيضون، فالبضاعة اللبنانية تمكث على الحدود مع السعودية أكثر من شهرين ولا تدخل. السوق السعودية توقفت عن الإستيراد وهذا ما أثر كثيراً على صناعة الأحذية الوطنية. أما السوق المحلية فتشتري الصناعة التركية التي تدخل الى السوق المحلية بكثير من التسهيلات. خسر لبنان بكلام آخر أكثر من خمسة ملايين دولار كانت تصل الى لبنان من خلال تصدير الحذاء اللبناني الى السعودية.

 

جودة الحذاء اللبناني عالية لكن قدرات اللبناني منخفضة جداً. فالى أين نحن متجهون بهذا القطاع الذي كان يساهم في إدخال “الدولار الجديد” الى لبنان؟ يجيب بيضون “هناك بقايا أحذية صينية في مستودعات التجار تُصرف حالياً في السوق اللبناني. وهناك أحذية تركية. أما المصانع اللبنانية فتعيش على “المصل”.

نعود الى سعد لسؤاله عن الأسماء اللبنانية التي لمعت في صناعة الأحذية فيجيب “معمل “الحذاء الأحمر” (red shoes) في سبلين أقفل منذ خمسة عشر عاماً و”الحذاء الأبيض” أيضاً أقفل. كان الإيطاليون حتى يشترون الحذاء الجلدي الرسمي اللبناني. وكان يا ما كان. و”باتا” بات يستورد من الصين ويضع اللوغو الخاص به على الأحذية المستوردة. والإستيراد استمرّ عبر كونتينرات تدخل على أنها مواد بلاستيكية ومواد أولية. كانوا يدخلون الحذاء اللبناني ناقصاً النعل ويأتون بكونتينر آخر يضم النعل ويجمعون الأحذية هنا. أنواع الغش وأشكاله كثيرة وكلها أثرت على صناعة الأحذية في لبنان. في لبنان حالياً “بقايا” الأحذية الصينية الموجودة في المستودعات. وحين تنفد سيشعر اللبناني أكثر بأن قدميه باتتا بالفعل حافيتين.

 

نجول في برج حمود. كثير من معامل صناعة الأحذية التي أتى بها الأرمن، كحرفة، يوم هاجروا الى لبنان تنقرض. وأصحاب الورش الصغيرة يسندون رؤوسهم بأكفهم بدل أن يحركوها في صناعة عرفوا بها.

 

ماذا عن الكندرجيي في لبنان؟ هل عزّ هذه المهنة يعود؟ ثمة كندرجي إستأجر للتوّ محلاً في برج حمود “فالحاجة إليه باتت ماسة”. اللبنانيون الذين اعتادوا ارتداء “الماركات” أو تغيير الحذاء ببساطة باتوا يهندسون أحذيتهم ويحسبون لها ألف حساب. تبدلت الحياة وانقلبت رأساً على عقب. ومن يظنون أنهم في منأى عن الآتي سيكونون أول من يأكلون ركلة من حذاء أناس سيفيض بهم الغضب ذات حين.