أصدرت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني عام 1947، القرار رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين.
وقد أنهى القرار فعلياً الانتداب البريطاني على فلسطين، وتبنّى خريطة تقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، كالتالي:
1- دولة عربية: تبلغ مساحتها حوالي 4,300 ميل مربع (11,000 كـم2) ما يمثل 42.3% من فلسطين وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتدّ من شمال مدينة أسدود وجنوباً حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.
2- دولة يهودية: تبلغ مساحتها حوالى 5,700 ميل مربع (15,000 كـم2) ما يمثل 57.7% من فلسطين وتقع على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أمّ الرشراش أو ما يُعرف بـ إيلات حالياً.
3- القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.
الجدير ذكره هنا أنه بعد نحو 6 أشهر من صدور هذا القرار تمّ إعلان قيام «دولة إسرائيل» في 15 أيار 1948، مع بعض «الزعبرة» في الخريطة الواردة في القرار 181، أيّ أنّ هذه الدولة الوليدة قسّمت مدينة القدس إلى قسمين شرقي وغربي، وضمّت القدس الغربية إلى نطاقها الجغرافي، كما ضمّت منطقة الجليل الغربي ومدينة عكا.
في حين لم يتمّ إعلان الدولة العربية في الجزء الآخر من فلسطين والتي نصّ عليها القرار نفسه! وذلك بالرغم من اجتماع بعض الدول العربية في غزة، وعلى رأس هذه الدول مصر وسورية والسعودية، وقد اجتمعوا في أواخر أيلول عام 1948 للبحث في إقامة حكومة فلسطينية تدير المناطق التي وقعت تحت سيطرة الجيوش العربية.
وأُعلنت حكومة «عموم فلسطين» برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي، وكان للمفتي الحاج أمين الحسيني أغلبية ساحقة من أعضاء هذه الحكومة، الأمر الذي أثار معارضة شديدة في الأردن، مع الإشارة إلى أنّ الضفة الغربية كانت تحت سيطرة الجيش الأردني، فقام ملك الأردن عبدلله الأول بمساعدة المعارضين والمنافسين للمفتي بين الفلسطينيين لافتعال أحداث سياسية وميدانية يستغلها هو لإعلان ضمّ الضفة الغربية إلى مملكته.
وقد شجعت بريطانيا الملك عبدلله لإتمام اتفاق مع «إسرائيل» لتمكينه من ضمّ الضفة الغربية.
ولم يكن في وسع مصر دعم حكومة «عموم فلسطين» كما يجب، حيث كانت القوات الإسرائيلية تهاجم الجيش المصري في غزة ما أدّى إلى هزيمته في أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1948، وهذا أدّى بالتالي إلى فشل حكومة «عموم فلسطين» وعدم تمكّنها من تولّي أمور الأراضي التي كانت لا تزال تحت السيطرة العربية.
إذن، لم تتمّ الإضاءة سياسياً وإعلامياً على السبب الحقيقي لعدم إعلان قيام الدولة العربية، بل أريدَ لهذا السبب أن يبقى في الكواليس، لكن مَن يدقق في بعض المعلومات والمخطوطات التاريخية التي تتحدّث عن تلك المرحلة يمكنه معرفة ذلك السبب وتحديده بشكل واضح.
لقد اتفق ديفيد بن غوريون مع الملك عبدلله الأول على أن تكون القدس الشرقية والضفة الغربية وأريحا تحت الوصاية الأردنية، أيّ الجزء الذي يُفترض أن تقوم عليه الدولة العربية، وهذا الأمر لم يجد مَن يعارضه شعبياً أو سياسياً على اعتبار أنّ الحاكم المفترض لهذه المناطق هو عربي هاشمي.
إذن… لم يتمّ إعلان الدولة العربية بشكل رسمي، ولا تمّ وضع القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية كما نص القرار 181.
وحين ترك بن غوريون قسماً من الأراضي الفلسطينية للأردن بدلاً من إعلان الدولة الفلسطينية عليها، فإنه يكون بذلك قد أجهض قيام الدولة الفلسطينية الموعودة.
كان بن غوريون آنذاك زعيم «اليوشوف» اليهودي المتواجد في فلسطين، وكان لديه جيش قوامه نحو 75 ألف جندي، مع سلاح جيد مستورد من تشيكوسلوفاكيا، وكان بإمكان هذا الجيش السيطرة على كامل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية والضفة الغربية، لكنه لم يفعل ذلك، بل ترك هذه المناطق لسيطرة الجيش الأردني، وقد اعتبر المواطنون الفلسطينيون أنّ الأمر عادي، وأنّ حكم الملك عبدلله يمثل لهم الملاذ الذي يريدونه في مواجهة العصابات اليهودية التي ترتكب الجرائم والمجازر ضدّ الفلسطينيين.
أما بن غوريون الذي كما قلنا كان باستطاعته السيطرة على كامل الأراضي الفلسطينية، فقد فضّل في تلك المرحلة الاكتفاء بما ابتلعه من مدن ومناطق فلسطينية، على أن يُحضّر دولته الوليدة لمراحل لاحقة تكون فيها قادرة على التوسع وهضم أراضٍ جديدة، مع وصول دفعات جديدة من المهاجرين اليهود إلى «أرض الميعاد»، وهذا بالفعل ما حصل لاحقاً وصولاً إلى حرب حزيران عام 1967 حيث احتلّ جيش العدو القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة وصحراء سيناء وهضبة الجولان، ثم بعد أشهر توسّع باتجاه الأراضي اللبنانية حيث احتلّ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وعدداً من النقاط الحدودية الأخرى التي تعتبر نقاطاً جغرافية حاكمة واستراتيجية في سياق الصراع المستمرّ.
بعد ضياع كلّ فلسطين بدأت تصدر أصوات من هنا وهناك تطالب بتطبيق القرارات الدولية التي تنص على انسحاب جيش الاحتلال من الأراضي التي احتلها في حرب حزيران 1967، لا سيما القرار 242، ثمّ القرار 338 بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وكذلك المطالبة بتطبيق كامل القرار 181 وإقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما بات يُعرف في ما بعد بـ «حل الدولتين»، وهذا الحلّ لم يسلك طريقه إلى التنفيذ، ولا يزال العدو إلى اليوم يرفض قيام الدولة الفلسطينية بالرغم من قرار الأمم المتحدة واتفاقية أوسلو.
وربما التطورات الحاصلة في المنطقة هذه الأيام تجعل «حلّ الدولتين» من الماضي، وعلينا مراقبة الأحداث لمعرفة ما هي أشكال الحلول التي سوف تطلّ برأسها، هذا إذا كان هناك حلول فعلاً أم أننا سنبقى غارقين في المشاكل والأزمات إلى أن يقضي لله أمراً كان مفعولاً…