هو نوع من «الانتصار» الذي تحلو الهزيمة أمامه! والكلام هنا عن حال سوريا والإيرانيين وتابعهم الرئيس السابق بشار الأسد في هذه الأيام. بعد أن مالت الدفّة لمصلحتهم ميدانياً.. وبعد أن افترضت طهران أنها حافظت على الطريق الواصل بينها وبين شواطئ البحر المتوسط!
والكلام هذا يدور على وقع القياسات المألوفة عند الإيرانيين ومحورهم الممانع.. وليس على وقع أحكام العقل والمنطق وخلاصات التنزيل الديني والقيمي والأخلاقي! بل ولا حتى على وقع لغة المصالح وشروطها ومتوجّباتها في عالم اليوم عموماً وبين «الجيران» في الجغرافيا و«الأهل» في الدين خصوصاً!
مَيَلان الدفّة في عُرف تلك المنظومة أهم في الشكل والجوهر من حقيقة أن المركب مثقوب وآيل إلى الغرق، وإلى أغوار ومديات أعمق من تلك التي وصل إليها بالفعل.. مركب سوريا وأهلها ونكبتها! ومركب «الأمة» برمّتها تحت وطأة الأكلاف الأسطورية التي تدفعها بشراً وحجراً وقيماً جرّاء تفلّت الجموح الإيراني على وسعه، وإصرار أصحاب الشأن والولاية فيه على مواصلة الوهم والادعاء والمكابرة والمبالغة والإكثار من الغيبيات في واقع منظور ومشعّ!
ولا يختلف الواقع السوري المعقّد اليوم عن المألوف البسيط في «أدبيات» الثورات و«العصابات»، حيث «رفقة» الدرب النضالي في الأولى لا تعني رفقة السلطة وامتيازاتها بعد «الانتصار»! وحيث تقسيم الغنيمة المسروقة في الثانية لا يعني المساواة في الحصص بين اللصوص، بقدر ما يعني تصفية «داخلية» متدرّجة تضمن للرأس الأكبر الحصّة الأكبر!
.. مثلما لا يختلف ذلك الواقع عن شيء لبناني مألوف مؤداه المباشر أن «الانتصار» العسكري الميداني (أو الانتخابي!) لا يعني «انتصاراً» سياسياً أكيداً.. فكيف الحال والادعاء «الانتصاري» الإيراني في سوريا يتضمن مبالغات وتوريات وزعبرات وتشبيحات ومناورات وصفقات لا تحصى!
وعدا عن ذلك، فإن المعادلة التي أفرزتها تطورات ومستجدات الحرب في سوريا تبدو، بالنسبة إلى الإيرانيين وتوابعهم، أصعب من مرحلة الكرّ والفر السابقة وأشدّ مرارة!
الروسي يعتبر محقّاً، أنه لولاه لما انكسرت شوكة المعارضين، ولما أمكن بشّار الأسد البقاء في مكانه. ولما أمكن إيران وتوابعها إدعاء «الانجاز الإلهي»! وهو في الإجمال والتفصيل ليس صاحب جمعية خيرية ولم يقدم ما قدّمه لأنه كذلك! ولهذا فله الكلمة الأولى والعليا و«الحصّة الأكبر»، وما على الجماعة الإيرانية سوى تخفيض سقف توقعاتها، والتواضع في إدعاءاتها، وهي التي تعرف يقيناً أن غيرها يعرف، أنها لو تمكنت وحدها مع أدواتها وميليشياتها من لجم الاندحار أمام ثورة السوريين، لما طلبت في الأصل، المدَدَ الروسي ولا سعت إليه ولا ارتضت تقاسم المغانم معه!
المعادلة الراهنة في صفوتها وزبدتها ومصلِها تقول إن إيران أمام خيارَين لا ثالث لهما: إمّا الانصياع لمقتضيات المصالح والتفاهمات والاتفاقات بين الروس من جهة والأميركيين والإسرائيليين من جهة ثانية.. وإما الدخول في مواجهة غير متكافئة ولا قدرة لديها على تحمّل تبعاتها «الأخيرة»، وفي هذا «الظرف الترامبي» تحديداً..
هناك مصطلح لغوي جميل هو «إعادة الانتشار»، وهذا تورية لمصطلح الانسحاب أو الانكسار.. وآن الأوان لصاحب الشأن الإيراني أن «يعيد انتشاره» الميداني والسياسي و«الفقهي» من اليمن إلى سوريا قبل أن تُسفر اللغة عن بيانها، والميدان عن حقائقه!
علي نون