بقدر ما كانت الأجواء متوترة في مرحلة اعداد قانون الانتخاب الجديد، تحوّلت بالقدر نفسه الى أجواء انفراج وهدوء واستعداد للانفتاح على المكونات الأخرى، ولو بقدر، بعيدا عن الشحن والتشنّج. ولعل هذا الواقع الجديد هو الذي حدا برئيس الجمهورية الى الاستثمار في هذا المناخ العام الايجابي، باستنفار الطاقات وتوجيه العمل الحكومي للانتاج وتعويض ما فات. وعلى الأرجح ان اللقاء التشاوري في قصر بعبدا للفعاليات المشاركة في الحكومة، سيضع روزنامة أولويات للاحتياجات الملحّة التي طال زمن المطالبة بتحقيقها، والمتعلقة بالمشاريع المعيشية التي تعذر التوافق عليها حتى الآن…
… وفي مقدمتها أزمتان كل منهما متفجرة أكثر من الأخرى: الكهرباء والنفايات. وأزمة الكهرباء تاريخ طويل ومعقّد من الفساد والهدر والتجارة السوداء وسرقة المال العام بغطاء قانوني في الشكل فقط.
وهذه المواصفات تنطبق أيضا على أزمتها التوأم المتعلقة بالنفايات. وعلى الرغم من الأموال الطائلة التي أنفقت في هذين المجالين، استمر التقنين المتزايد في الكهرباء، في مقابل الفيض المتزايد في النفايات، واستمرار الأزمتين دون ايجاد حلول جذرية لكل منهما. والظروف السياسية المستجدة، وبخاصة بعد تجاوز قطوع قانون الانتخاب، من شأنها المساعدة في ايجاد الحلول الجذرية، مهما تطلب ذلك من جهد ووقت…
أهمّ ما يحدث اليوم في لبنان هو اعادة تصويب المسار في الاتجاه الصحيح. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلاّ بتضافر جهود القوى كافة، لتصبّ في مجرى واحد، وتقود الى اعادة بناء الدولة والوطن والمجتمع بالقوى الذاتية أولا. وأهم مصادر القوة في بلد مثل لبنان، هو وحدته الوطنية، والتلاحم بين مكوناته الاجتماعية، وبذل كل ما يمكن من تضحيات في سبيل ذلك. وتصبح هذه المهمة أكثر إلحاحا في ضوء التطورات الكارثية في المنطقة، وعشوائية الرؤى لدى بعض قياداتها، وانتهاجها سياسات مبنية على التحديات والعنف والاستقواء على بعضنا بعضا، وتسليم قيادتنا الى قوى خارجية طامعة بالثروة والهيمنة والتسلّط على أقدارنا في حاضرنا وفي مستقبل أجيالنا الآتية…